كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

ففي هذا النص تلاحظ أن الله يخاطب رسوله بقوله: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} أي: فلا تهلك نفسك حزناً على الكافرين الذين زين لهم سوء عملهم، فهم قد اختاروا بأنفسهم سبيل الكفر على سبيل الإيمان، فحق عليهم عذاب شديد من الله، وكان بمقدورهم أن يختاروا سبيل الإيمان والهداية، فقد بين الله لهم الحق في كتبه وعلى ألسنة رسله، فلا عذر لهم بجهل وعدم بيان.
وقال الله تعالى في وصف الإنسان في سورة (يونس/10 مصحف/51 نزول) :
{وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذالِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}

فمن خلائق الإنسان أنه إذا مسه الضر رجع إلى ربه، فالتجأ إليه داعياً أن يكشف عنه ضره، على أية حالة كان مضطجعاً أو قاعداً أو قائماً. إنه في حالة ضره تتيقظ فطرة الإيمان في داخله، فيرجع إلى ربه مستغيثاً، ولكنه حينما يكشف الله عنه الضر ويعود إلى ما كان فيه من متاع الحياة الدنيا وزينتها ينسى ربه، ويمر في حياته غير معترف بخالقه، كأنه لم يرجع إلى ربه في ساعة ضره، فيدعوه ويلتجئ إليه، وهكذا حال المسرفين يعملون الأعمال السيئة القبيحة ويرونها حسنة، اغتراراً بزينتها في نفوسهم وأهوائهم.
ومن أمثلة الأفكار الفاسدة التي زُيِّنت في قلوب المنافقين ظنهم أن الرسول والمؤمنين في أيام صلح الحديبية سيهلكون، ولن يعودوا إلى أهليهم أبداً، وظنوا بالله ظن السوء، ولكن الله فتح على رسوله والمؤمنين فتحاً مبيناً، وخيب ظن المنافقين، وفي ذلك يقول الله تعالى في سورة (الفتح/48 مصحف/111 نزول) :
{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً}

الصفحة 378