كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

وقد تمثل قصة اللصين والشيخ زنكي اغترار الإنسان بمفتريات نفسه.

يُحكى أن لصين تعاونا على اللصوصية وقطع طريق الناس حقبة من الزمن، ولكن جلب لهما هذا العمل تشرداً في الأرض ومتاعب كثيرة، فأوحى لهما الشيطان أن يقيما ضريحاً كاذباً بالقرب من بلدة يعتقد أهلها بالخرافات، وأن يكونا قيمين على هذا الضريح، ويفتريا له عند الناس الكرامات، حتى يفد إليه الجهلة والوثنيون ويقدموا له القرابين والأموال تقرباً إليه وتبركاً به، وفعلاً ذلك بعد أن دفنا في القبر كلباً ميتا ً، وأطلقا على صاحب الضريح اسم الشيخ زنكي.

كان لصين فقط، فصارا لصين مضللين شيطانين.

وبدأ ناقصو العقول من الرجال والنساء يفدون إلى هذا الضريح للتبرك، ويبذلون له القرابين والأموال، ويستولي عليها هذا اللصان، ثم طمع أحدهما بما جمعه قرينه من مال فسرقه منه، فاختصما، فأنكر السارق، فاستحلفه خصمه، فحلف له بالشيخ زنكي أنه لم يسرق منه شيئاً، فقال له قرينه: ما هذا القسم؟ كلب دفناه معاً، أفصدقت الفرية التي افتريناها معاً؟ أم تريد أن تحتال علي وتخدعني، واقتتلا فقتل كل منهما صاحبه.

وكثيراً ما يفتري الناس الفِرى، ثم ينخدعون بها هم أنفسهم، ويتصرفون تصرف الساقط المغرور، لا سيما إذا وجدوا من يصدقهم بها، وطال عليهم الأمد، ومرت بهم مصادفات تدعم ما افتروه في ظنِّ الجاهلين.

إن القبيح شديد القبح إذا زعم أنه جميل واستطاع بحيلته أن يخدع فئة من الأغبياء، فأخذ هؤلاء يثنون على جماله، فإنه كثيراً ما يسقط في الغرور فيعتقد نفسه جميلاً جداً، مع أنه في نظر غير هؤلاء الأغبياء قبيح جداً.
وكثير من المذاهب المصنوعة للتضليل يصدرها أصحابها افتراء ويزينوها بالأقوال المزخرفة، ثم إذا طال الأمد وصدقها فريق من الناس اغتر بها مصدروها أنفسهم، فاعتقدوها إيماناً بعد أن كانوا قد أطلقوها افتراء.

فالكافرون قد يقعون فريسة الغرور بما كانوا قد افتروه هم، وقد أشار القرآن

الصفحة 386