كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

إلى هذا النوع من الغرور فقال الله تعالى في سورة (آل عمران/3 مصحف/89 نزول) :
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً منَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ منْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ * ذالِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}

فهؤلاء الذين أوتوا نصيباً من الكتاب قد افتروا على ربهم فقالوا: لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات، ثم صدقوا فرية أنفسهم، واتخذوها عقيدة من عقائدهم، وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون من أكاذيب على ربهم.
وما أكثر الأكاذيب التي يفتريها الناس في العقائد، ثم تتحول هذه الأكاذيب بتطاول الزمن واستجابة الجهلة لها وبعض المصادفات المؤيدة، إلى عقائد راسخة في الدين، حتى في نفوس واضعيها ومختلقيها، وهذا أقبح الغرور أن يغتر الإنسان بما افتراه هو.

(5)

الطبع على قلوب الكافرين
من فطرة الإنسان إذا هو عاند وأصر على الباطل بعد معرفة الحق المبين، وأعلن تكذيبه وكفره بالحق، أن يصاب قلبه بالصمم، وأن يتبلد حسه تجاه الحق والخير، فإذا ألقي عليه الهدى أعرض عنه ولم يستمع إليه، ولم يدرك جوانب الحق فيه، ولم يتحرك وجدانه وضميره بعاطفة إيجابية نحو الخير، ويكون كالصخر الأصم الذي لا يقبل ندى معرفة، ولا يندى بعاطفة، فإذا وصل الإنسان إلى هذا المستوى من القسوة وجفاف عواطف الخير، فإنه يكون مغلف القلب مسدود المنافذ محجوباً بحجاب غليظ، حتى يكون بمثابة البيت الذي أغلق بابه، وضرب عليه بالأقفال، ثم ختمت الأقفال بطابع الطين أو الشمع، إشعاراً بوصولها إلى غاية إقفالها، أو بمثابة المعدن الذي يعلوه الصدأ حتى يغشيه تغشية تامة، ويحجبه حجباً كاملاً،

الصفحة 387