كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

وهذا هو الران الذي يغشِّي قلوب الكافرين المكذبين، وهو ما ورد في قول الله تعالى في شأنهم في سورة (المطففين/83 مصحف/86 نزول) :
{كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ} .

فالطبع على القلوب كناية عن بلوغها مستوى من القسوة وجفاف عواطف الخير. فهي لا تتأثر ببيان، ولا تستجيب لموعظة. فكأنها بيوت مقفلة مطبوع عليها. أو قطعة من المعدن قد علاها الصدأ فغشاها.

دل على هذا جملة من النصوص القرآنية، ويظهر لنا أيضاً من واقع حال الكافرين المعاندين المكذبين، إذ تكون قلوبهم في حجاب كامل عن قبول أية معرفة تتصل بالحق الذي كذبوا به وجحدوه، وتكون ضمائرهم ميتة لا تحس بمشاعر الخير الذي يدعوهم الحق إليه.

وسبب هذا الطبع الذي تصاب به قلوبهم كفرهم وتماديهم في الغي، واستغراقهم في معاصيهم وذنوبهم. وهذه النتيجة هي من السنن الكونية التي حذَّر الله أهل القرى منها، فقال - تعالى - في سورة (الأعراف/7 مصحف/39 نزول) :
{أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ} .

فأوضح الله تعالى في هذا النص أن من سنن كونه الطبع على قلوب الكافرين، فهو نتيجة تحصل بسبب ما يكسب الكافرون بكفرهم وجحودهم من ذنوب، وبسبب طول الأمل عليهم وهم مكذِّبون.

الصفحة 388