كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

(ب) والتعبير بالختم نجده في قول الله تعالى في أوائل سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول) :
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ}

فهؤلاء الذين كفروا بعد بيان الحق لهم وأصروا على كفرهم وعنادهم قد وصلوا إلى حالة من انطماس البصيرة وتبلُّد الحس لا ينفع معها الإنذار بسوء المصير، لأنهم جحدوا اليوم الآخر وما فيه من جزاء، فالإنذار وعدمه بالنسبة إليهم سواء {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} ، وظاهر أن السبب في ذلك هو ما وصلوا إليه من الختم على قلوبهم وعلى سمعهم، وما جلَّل أبصارهم من غشاوة حجبتها عن رؤية آيات الله ودلائل وجوده، وحكمته وعدله. وهذا الختم وهذه الغشاوة هما من النتائج الطبيعية لما هم فيه من الكفر المعاند، بعد بيان الحق لهم بمختلف الوسائل.

ونجد التعبير بالختم في قول الله تعالى في سورة (الجاثية/45 مصحف/65 نزول) :
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ الههُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}
فهذا فريق من الناس قد اتخذ إلهه هواه، فهو يعبد أهواء نفسه، فيطيعها في أوامرها ونواهيها، ويسارع في تحقيق مطالبها وشهواتها، ولو كان في ذلك أذاه وضره وهلاكه، ومن اتخذ إلهه هواه فقد ضل سواء السبيل، ومن ضل بجنوحه واتباعه أهواء نفسه أضلَّه الله، فحكم عليه بالضلال حكماً مبيناً على علم بواقع حالة الضال، وإذا وصل الإنسان إلى هذا المستوى من الضلال واتباع الهوى قسا قلبه، وران عليه ما كسب من إثم، فحُجِب عن إدراك الحقائق الدينية الربانية، غلِّف بغلاف شامل، وختم على هذا الغلاف، وكان شأن أدوات المعرفة لديه كشأن قلبه، فيختم على سمعه أيضاً، فلا يستمع إلى نصيحة، ولا يتقبل موعظمة من مواعظ

الصفحة 392