كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

الهداية الربانية، ويُجعل على بصره غشاوة، فلا يرى آيات علم الله وحكمته وعدله المنبثة في الوجود.

ولهذا نِسَب تصيب صغراها العصاة من المؤمنين، ونصيب كبراها الكافرين والمنافقين.

وقد يصغي المختوم على قلبه وسمعه إلى المواعظ إصغاءً صورياً، إلا أن هذا الإصغاء الصوري ليس له أثر في النفس، فوجود كعَدمه، ويبقى بعده الإصرار والاستكبار، كأن السامع لم يسمع من الهداية شيئاً، وهذا المعنى قد بيَّنه الله تعالى بقوله في سورة (الجاثية/45 مصحف/65 نزول) :
{تَلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَق فَبِأَي حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ * وَيْلٌ لكُل أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَائِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}
فهذا الأفاك الأثيم يسمع آيات الله تتلى، ويظل مصراً على كفره، مستكبراً في نفسه، فكأنه لم يسمع شيئاً، إن بينه وبين الاستماع الحقيقي المؤثر حجاباً من كبر نفسه واتباعه الهوى، فهو مختوم على قلبه وسمعه.

فالتعبيرات قد جاءت في هذا المجال بالأقفال وبالختم وبالطبع، ولعلها مستويات ثلاثة، تبدأ بالأقفال، كأقفال الأبواب، ثم يكون الختم كالختم بالطين أو الشمع بالخاتم المنقوش بصورة متميزة، وهذا الطبع يكون في آخر عمليات أحكام الغلق وتثبيته، وهو كناية عن الانحجاب الكامل الذي تصل إليه قلوب الكافرين والمنافقين، بعد مراحل من العناد والاستكبار.

وقبل الأقفال تتوارد النكت السوداء على القلوب نكتة فنكتة (¬1) بسبب
¬_________
(¬1) النكتة: النقطة السوداء.

الصفحة 393