كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

المعاصي القلبية حتى يجللها الران، وهذا قد تتعرض له قلوب المؤمنين ولكن في مستوى ما دون الران.

(6)

وصف الكافرين بأنهم كالأنعام بل هم أضل

لقد عطل الكافرون بالله ما وهبهم الله من عقل، وما منحهم من وسائل استنباط واستنتاج، فوقفوا بها عند حدود ظواهر المادة وأسبابها القريبة ولم يؤمنوا بالحقيقة الكبرى التي تدل هذه الظواهر عليها، كما أنهم لم يتسجيبوا لمشاعرهم الفطرية نحو هذه الحقيقة الكبرى.

وبما أنهم عطلوا ما وهبهم الله عما يجب عليهم أن يستعملوه فيه، كانوا هم وفاقد هذه المواهب سواء بحكم النتيجة.
لقد خلق الله فيهم عقولهم ووسائل إدراكهم لينظروا في الكون ويدرسوا خصائصه، وليستدلوا منه على خالقه ومبدعه ومدبر أمره، لكنهم نظروا في الكون فوقفوا عند حدود الظواهر وأسبابها القريبة التي لهم بها مصلحة في حياتهم الدنيا، ثم أنكروا خالقه ومبدعه ومدبر أمره، فكانوا بالنسبة لهذا القطاع الفكري كالأنعام، بل هم لدى التحقيق أسوأ حالاً وأضل سبيلاً، لأن فاقد الشيء أصلاً وهو لا يملك وسيلة لتحصيله واكتسابه معذور بفطرته. فالحيوان الذي لا عقل عنده ولا بصيرة تهديه معذور بضلالته إذا ضل، وربما تضل غريزته عن الإمعان في الضلال. بخلاف الإنسان الذي يعطل عقله عما خلق من أجله فهو غير معذور، والمسؤولية تلاحقه على مقدار ما وهبه الله من قوة إدراك معطلة، ومؤاخذاته تكون أشد، ومسؤولياته تكون أعظم حينما يسخِّر عقله ومواهب فهمه وإدراكه في خدمة أهواء نفسه الجانحة الجامحة، وعندئذٍ ينطلق في ميادين الشر والفساد بذكاء وحيلة، ولا يقف عند حدود محدودة، فلا لجام من غريزته، ولا ضابط من عقله، ومواهبه الذهنية مسخرة لأهواء نفسه في الضلال والفساد والشر، فهو بذلك أضل سبيلاً من الأنعام، ويصح أن يحكم عليه بأنه شر الدواب عند الله.

الصفحة 394