كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

فإذا ذكِّر بالله والخير وفعل الصالحات لم يسمع من ذلك شيئاً، لأن قلبه مقفل بأقفال الأهواء والشهوات، مطبوع عليه ولو سمع بأذنيه الكلام المذكِّر بالله فإن قلبه وفكره في حجاب غليظ عن سماع مضمونه.

وإذا عرضت عليه آيات الله البينات في نفسه وفي الكون من حوله لم يرَ منها شيئاً، لأن بصيرته محجوبة بحجب الأهواء والشهوات ومصالح الدنيا ولذاتها، فلا يرى من الآيات إلا ظواهرها الدنيوية، أما دلالاتها الحقيقية الربانية فلا يرى منها شيئاً، وتظل بصيرته في عمى عنها، بسبب كفره بربه وبجزائه واليوم الآخر، وبسبب انحصار كل تصوراته في حدود الحياة الدنيا ومتعها وزينتها وهمومها وأحزانها.
فمن أجل ذلك صحَّ وصف هذا الفريق من الناس بأنه أصم أبكم أعمى، وبأنه لا يعقل.
فما قيمة سمع لا يؤدي وظيفته الأساسية؟ وما قيمة بصر لا يؤدي وظيفته الأساسية؟ وما قيمة فكر لا يهدي صاحبه إلى رشده وسعادته؟ إن وجودها وعدمها سواء في حكم النتيجة العاجلة، ووجودها شر وبلاء على صاحبها في حكم النتيجة الآجلة والعاقبة الوخيمة يوم الجزاء الأكبر.

وقد تظاهرت النصوص القرآنية في الدلالة على هذه الحقيقة، منها قول الله تعالى في سورة (الفرقان/25 مصحف/42 نزول) :
{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ الههُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}

فالكافرون بالله الذين اتخذوا أهواءهم آلهتهم لا يسمعون إلى نصائح الهداية، ولا يعقلون نفوسهم عن مواقع الضلالة، وما هم في حياتهم إلا كالأنعام يأكلون كما تأكل الأنعام، ويتمتعون كما تتمتع الأنعام، بل هم أضل منها في الحياة سبيلاً، لأن الأنعام تلجمها غرائزها، أما الكافرون من الناس فليس لديهم ما يلجمهم عن الشر الكبير والفساد العريض.

الصفحة 395