كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

وما خوطب به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو خطاب عام لكل المؤمنين ما لم يكن من خصوصيات الرسول بدليل خاص.

(ب) أصول جدليات الكافرين حول الحقائق الدينية:
لقد جادل الكافرون في قضية الإيمان الكبرى: في قضية التوحيد، في قضية الرسول والرسالة، في قضية الإيمان باليوم الآخر، في قضية الكتاب المنزل من عند الله، في قضية القضاء والقدر، إلى غير ذلك.

وكانت جدلياتهم في كل ذلك تعتمد على ما يلي:
1- الاحتجاج بما كان عليه آباؤهم، وظاهر أن هذا ليس بحجة مقبولة عند العقلاء، لأنه تعبير عن التقليد الأعمى.

2- جحود الحقائق والأدلة الظاهرة بالمكابرة، والإصرار على اعتبارها من قبيل السحر أو الكذب أو الباطل، أو أساطير الأولين، وظاهر أن مثل هذا ليس بحجة، وإنما هو فرار من الإذعان إلى إطلاق الشتائم وتكذيب للحقائق بالأوهام.

3- الاحتجاج بالاستغراب والاستبعاد، دون سند من العقل الصحيح، والاستغراب والاستبعاد حجة مرفوضة، لأنها تعتمد على عدم الألف للموضوع، أو أنه لم تسبق فيه مشاهدة حسية، وليس شيء من ذلك بمقبول منطقياً، فما كل حقيقة يجب أن تكون مألوفة، أو يجب أن تسبق فيها مشاهدة حسية للناس، كلهم أو بعضهم.
4- الاحتجاج بامتياز الكافرين على المؤمنين بوسائل الرفاهية والترف في الحياة، واعتبار ذلك دليلاً على فساد عقيدة المؤمنين ومنهجهم، لأنهم لو كانوا على حق لأغناهم الله وزادهم رفاهية وترفاً، وهذه حجة ساقطة، لأن أي عاقل يدرك أسس الإيمان وأهداف الحياة الدنيا، يعلم أن الحياة الدنيا دار امتحان وابتلاء، وأن إحدى مواد الامتحان في هذه الحياة الابتلاء بالغنى أو بالفقر، بحسب حالة كل إنسان، وأن الابتلاء بالغنى ليس تكريماً، وأن الابتلاء بالفقر ليس بإهانة، حتى إذا انتهت فترة الامتحان وجاء دور الجزاء الأكبر في الأخوة،

الصفحة 408