كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

ودرج مشركو قريش وسائر كفار العرب على طريقة أسلافهم في الاحتجاج لرفض رسالة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويقص علينا أنباء جدلياتهم فيقول جلَّ وعلا في سورة (الفرقان/25 مصحف/42 نزول) :
{وَقَالُواْ مَا لِهَاذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا? أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً * انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً}

هذه مقالات قالوها رداً على دعوة الرسول لهم، وهي كما رأينا تشبه مقالات الأمم قبلها، وهي تمثل صورة الجدال المتعنت، الذي اشتط في مطالبه، زاعماً أنه يريد أن يستوثق من صحة رسالة الرسول وصدق نبوته.

لقد تعجبوا من أن يكون الرسول بشراً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، زاعمين كما زعم الذين كفروا من قبلهم أن الرسول الذي يتلقى عن الله ويبلِّغ الناس ينبغي أن يكون ملكاً، حتى يصلح لاستقبال الرسالة الربانية وتلقي الوحي الإلهي، أو يكون هذا الملك مرافقاً للرسول من البشر.

هكذا طرحوا مقالاتهم على هذا الأساس الضعيف الذي لا يشتمل على حجة صحيحة.

وقد جاء الرد القرآني على مقالتهم هذه في قول الله تعالى في سورة (الأنعام/6 مصحف/55 نزول) :
{وَقَالُواْ لَوْلا? أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} .

وفي قول الله تعالى في سورة (الإسراء/17 مصحف/50 نزول) :
{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُو?اْ إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُو?اْ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً * قُل

الصفحة 412