كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلا?ئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً * قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً}

فإذا أردنا أن نحلل هذا الرد القرآني إلى عناصره وجدنا فيه بياناً كافياً مفحماً.

إن يتضمن بيان فساد ما زعموه من ضرورة كون الرسول ملكاً، وبيان أن الحكمة تقتضي أن يكون الرسول إلى البشر من البشر لا من الملائكة، فلو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزَّل الله عليهم ملكاً رسولاً، لكنهم بشر، فالحكمة تقتضي أن يكون الرسول إليهم من جنسهم، لأن الرسول مبلغ رسالة ربه، وقائد أمته، وأسوة لهم في كل الشؤون التي يعظهم بها، فلو كان الرسول إلى البشر من الملائكة لا من الناس لكانت حجة الناس عليه أنه لا يشعر بمثل مشاعرهم، وليس له من الغرائز والشهوات والأهواء مثل ما لهم، لذلك فهو لا يصلح أن يكون أسوة لهم، ثم لا يكون حجة عليهم في استقامته والتزام شريعة ربه، ولو كان ملكاً لكان أبسط جواب يردون عليه أن يقولوا له: لو كان لك مثل غرائزنا وأهوائنا وشهواتنا لعصيت مثلنا، ولما استقمت على صراط الله، ولكنه لما كان كامل البشرية مستجمعاً لكل عناصرها وخصائصها كان حجة عليهم في سلوكه، وأسوة لهم في جميع الأمور.

وكان للكافرين مطلب آخر أخلف من مطلب كون الرسول ملكاً، فقد طالبوا أن يكون مع الرسول شاهد من الملائكة يراه الناس ويبلِّغ عن الله، ثم يقوم الرسول من البشر بوظائف الرسالة.

وقد جاء الرد القرآني على هذا في قوله تعالى: {ولو أنزلنا مَلَكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون} .
وهذا الرد يتضمن بيان طبيعة الملائكة، وأنهم إذا نزلوا وظهروا للناس بيهئتهم الحقيقة فإن أمراً خطيراً من أمور الغيب ينكشف عندئذٍ للناس، وعندئذٍ لا يبقى للكافرين أي عذر يعتذرون به، ولا يبقى للإمهال أي معنى، فإذا أصروا على الكفر بعد ذلك فإن أمر إهلاكهم لا بد أن يقضى في الحال، وعندئذٍ فهم لا ينظرون،

الصفحة 413