كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

فليس بعد كشف الغيب مجال للإمهال، كما أنه ليس بعد انكشاف الغيب عند الموت مجال للتوبة، وليس بعد ظهور الآيات الكبرى كطلوع الشمس من مغربها مجال للتوبة أيضاً، فمن رحمة الله بهم أن لا ينزل إليهم الملائكة بصورهم وهيئاتهم الحقيقية، ليترك لهم مجالاً للتوبة والإيمان بعد روية وأناة وتبصر بالحقائق الكبرى.

وجاء في الرد القرآني أيضاً قوله تعالى {ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً، وللبسنا عليهم ما يلبِسون} .

ويتضمن هذا الرد أن الله لو استجاب لهم فأرسل لهم رسولاً ملكاً في حقيقته لكان مقتضى الحكمة يُلزم بأ، لا ينزل إليهم بصورته وهيئته الملائكية، وعندئذٍ فإن أفضل صورة ملائمة يحسن أن يتمثل بها هي صورة رجل من الناس، ولو أنزل الله ملكاً على صورة رجل من الناس لالتبس عليهم الأمر، ولما علموا هل هو بشر أو ملك؟ ولانتهى بهم الأمر إلى مثل ما هم فيه من لبس، إذ يلبسون على أنفسهم الحقائق، فيكفرون بالرسالة.

إنهم كفروا برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهم يعلمون أمانته وصدقه، ويشاهدون الآيات التي آتاه الله إياها، فكيف يكون حالهم مع ملك يأتيهم على صورة رجل وهم لا يعرفون شيئاً عنه؟! إن التباس الأمر عليهم سيكون أشد وأبلغ.

من كل ذلك يتضح أن الحكمة تقتضي من كل الوجوه أن يكون الرسول المرسل إليهم بشراً لا ملكاً.
ولكن من حقه أن يطالبوا بآيات صدق نبوته ورسالته، وقد آتى الله كل رسول من الآيات ما يكفي لإثبات أنه رسول الله حقاً، وهنا تنقطع حجة الكافرين، وتدمغهم حجة الحق، ولا يبقى لهم إلا العناد.

أما اقتراحهم أن يُلقى إلى الرسول كنز أو أن تكون له جنة يأكل منها فهو اقتراح تعنتي عنادي ليس له قيمة جدلية ولا منطقية، على أنهم لم يقتصروا على المطالبة بأن يلقى إليه كنز أو تكون له جنة، بل أضافوا إلى ذلك مقترحات أخرى مشابهة، منها ما تضمنه قول الله تعالى في سورة (الإسراء/17 مصحف/50 نزول) :

الصفحة 414