كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

عليهم كسفاً (أي قطعاً تهلكهم) وهذا إمعان منهم بتكذيبه، وليس طلباً حقيقياً للعذاب.

الاقتراح الثامن: أن يأتي بالله وملائكته قبيلاً (أي: طرفاً سماوياً) يحاربهم وينصر الرسول إن كان صادقاً، وهذا أيضاً إمعان منهم بتكذيب رسالته.

الاقتراح التاسع: أن يرقى في السماء، ومع ذلك فلن يؤمنوا به لمجرد رقيه، بل لا بد من أن ينزَّل عليهم من السماء كتاباً مسطوراً يقرؤونه.

ولدى التحقيق نجد أن الباعث لكل هذه المطالب المتعنتة كبر في صدورهم وهوى في نفوسهم. لقد رفضوا اتباع بشر منهم، واستكبروا أن يكون الرسول إنساناً ليس له ملك ولا ثراء، وليس له جاه عريض عند الناس، وقد صرحوا بكبرهم هذا، وقص الله علينا تصريحهم بقوله في سورة (الزخرف/43 مصحف/63 نزول) :
{وَلَمَّا جَآءَهُمُ الْحَقُّ قَالُواْ هَاذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَاذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ... } .

على أن الله تعالى لو استجاب لهم فأنزل عليهم كتاباً من السماء فلمسوه بأيديهم لما آمنوا به، لأنهم متعنتون، وقد بين الله واقعهم هذا بقوله تعالى في سورة (الأنعام/6 مصحف/55 نزول) :
{وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَاذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ}

وأما مطالبهم التي تستند إلى عنصر الكبر الطبقي فهي مطالب لا تستحق الإجابة أصلاً، لأنها فاسدة في قواعدها الكفرية والأخلاقية والدينية، وما كان الامتياز بالمال والثراء وامتلاك الجنات ليؤهل للتكريم عند الله ولا عند العقلاء من الناس، فليس من شأن دين رباني ولا من شأن أي مبدأ صحيح أن يعترف بمثل هذا الامتياز الذي ليس له أساس مقبول، ولا أن يستجيب للمطالب التي تتعلق به، فالاستجابة توحي بالاعتراف، وهذا يخالف أصل المبدأ، وقد اختار الله لخاتم أنبيائه أن

الصفحة 416