كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

لا يكون من أهل الغنى والثراء الكبير، وأن لا يكون ملكاً من الملوك، لتصحيح مفاهيم الناس عن عناصر التفاضل الصحيح، لذلك فلا ينقض الله حكمته هذه، وقضية الرسالة تحتاج إلى خصائص لا يدخل المال والثراء وامتلاك الجنات فيها، والاصطفاء بالرسالة فضل من الله ورحمة، والله يختص بفضله ورحمته من يشاء.

بقي ما طلبوه من الآيات المادية كتفجير الأنهار في مكة وما حولها، وإزاحة جبالها وتوسيع أراضيها، وغير ذلك من آيات تشبه الآيات المادية التي أجراها الله على أيدي موسى وعيسى وصالح وغيرهم من النبيين، وهذا المطلب قد أكدوه وألحوا عليه، وذكره الله في مناسبات متعددة، منها قوله تعالى في سورة (الرعد/13 مصحف/96 نزول) :
{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ..} .
وقد يبدو للنظر الأول تساؤل يتضمن الميل إلى تلبية طلبهم الآيات، إلا أن واقع حالهم ما كان ليفتقر إلى إقامة الأدلة للاقتناع بصدق رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقد أنزل الله من الآيات ما فيه الكفاية لمن أراد أن يقتنع بالحق، وفي مقدمة هذه الآيات معجزة القرآن، وإنما كانوا يطالبون بالآيات المادية على سبيل التشهي والتعنت، والله تبارك وتعالى لا يتخذ خرق سننه الدائمة ألعوبة في أيدي المتعنتين أو المتفكهين المتشهين، إنما يخرقها بمقدار حاجة الناس إلى إقامة الدليل الذي يدلهم على صدق رسالة الرسول، على أن الله لو أنزل هذه الآية التي طلبوها لكذبوا بها، فقد كذب بها من قبلهم من الأمم، وفي هذا يقول الله تعالى في سورة (الإسراء/17 مصحف/50 نزول) :
{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً}

وبعد أنواع ذات مراحل من جدال الذين كفروا حول رسالة الرسول وإقامة الحجة عليهم بأدلة مختلفة، لم يكن من فريق منهم إلا الإصرار على موقف الإنكار، ولم تُجدِ فيهم حجج ولا براهين، وموقفهم هذا قد أعلنه الله في آخر سورة

الصفحة 417