كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

(الرعد/13 مصحف/96 نزول) :
{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}
ولما لم تنفع فيهم ألوان المعالجة بالحجة المقنعة، ولم تُجد فيهم البراهين، كان من الخير حسم الأمر معهم، وقطع أطراف الجدال، وإعلان الاستغناء عنهم فقال الله لرسوله: {قل: كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب} ، وفي هذا إشعار بنفض اليد من رجاء إصلاحهم، وبإنهاء معالجتهم والصبر على مجادلتهم، وفيه أيضاً إعلان أن الرسول ليس بحاجة إلى شهادة منهم على أنه رسول الله، وإنما غرضه هدايتهم، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، والأخذ بأيديهم إلى السعادة الخالدة، أما الشهادة له بأنه رسول الله حقاً فيكفيه منها شهادتان:

الأولى: شهادة الله له بها، وذلك فيما أتاه من آيات عظيمة، وفي مقدمتها القرآن المعجز في لفظه ومعناه.

الثانية: شهادة من عنده علم الكتاب، وهم الذين عرفوا من كتبهم صفاته فآمنوا به، وشهدوا له بأنه رسول الله حقاً، والذين رأوا في معجزة القرآن ما يثبت لهم أنه رسول الله فشهدوا له بذلك.

وبهذا يحسم الأمر وينقطع الجدال، ويصبح الموقف موقف انتظار حكم الله في أهل الكفر.

ومن قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - جاء عيسى عليه السلام قومه بطائفة من الآيات البينات والمعجزات الباهرات، فقال الذين كفروا من قومه {إن هذا إلا سحر مبين} وأخذوا يجادلون في آيات الله على هذا الأساس الفاسد، وهذا ما بيَّنه الله بقوله في سورة (المائدة/5 مصحف/112 نزول) :
{إِذْ قَالَ اللَّهُ ياعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ

الصفحة 418