كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

نَحْنُ وَآبَآؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَاذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ * وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَاذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ}

فقد اشتملت مقالة الكافرين الجدلية لإنكار الآخرة والبعث بعد الموت للجزاء يوم الدين - كما جاء في هذا النص - على عنصرين:

العنصر الأول: الإنكار القائم على الاستغراب والاستبعاد.

العنصر الثاني: الإنكار القائم على بعد أجل يوم الدين ومرور أجيال من الآباء والأجداد دون أن يأتي وقت تحقيق الموعود به، وهذا ما جعلهم يتوهمون أن قضية الآخرة أسطورة لا تتحقق.

وظاهر أن هذا التصور فاسد من أساسه، لأن نظام هذه الحياة الدنيا لا يكفي له عشرات الألوف من السنين، حتى إذا طال أمد بقائه كان ذلك دليلاً على استمراره بلا نهاية، وأنه ليس وراءه نظام آخر أو حياة أخرى.
إن هذا النظام الكبير الذي تقوم عليه الحياة الدنيا، وما رتب له من خلائق، وما جعل فيه من ظروف امتحان لذوي الإرادات الحرة، ومن قُضي لهم أن يمروا في هذا الامتحان، كل ذلك لا يكفيه ألوف مؤلَّفة من القرون، ولا يستكثر عليه طول زمن مهما طال، فالآخرة حياة خلود وبقاء دائم، ومهما طال عمر الدنيا فإنه بالنسبة إلى الآخرة يسير جداً، ولكن الإنسان قصير النظر يقيس الأمور على نفسه وحدود أجله، ولا يتصور الأبد الخالد تصوراً صحيحاً، حتى يتضاءل في نظره عمر الدنيا مهما طال، وآجال الحادثات تقاس بواقع نظام تكوينها، وبمقادير وظائفها في الوجود ِ، ولذلك نشاهد أن عمر بعض الجراثيم قصير جداً يناسب مقدار وظيفته في الحياة، بينما يطول نسبياً عمر بعض الحشرات ذات الوظيفة السنوية، ثم يطول عمر بعض الحيوانات الأخرى، وهكذا ضمن سلم تصاعدي، ويزيد طولاً عمر بعض حيتان البحر، والنظام العام الذي يحوي كل ذلك لا بد أن يستوعب كل ما ربت له أن يمر فيه.

الصفحة 420