كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

أما الحياة الأخرى فهي دار الخلود، والدنيا بالنسبة إلهيا كلمحات عابرة من دهر مديد.

فما قدمه الكافرون لإنكار الآخرة لا يصح أن يعتبر حجة صحيحة مقبولة عند العقلاء، وإنما هو تكذيب بالآخرة من غير دليل، والباعث عليه الإخلاد إلى الأرض والاغترار بزينة الحياة الدنيا، وأما استطالة أمد ظروف هذه الحياة الدنيا فتعلَّة جدلية ليس لها أساس منطقي.
وكانت طريقة القرآن في الرد عليهم تشتمل على لفت نظرهم إلى مظاهر عدل الله في الذين كذبوا بيوم الدين من أهل القرون الأولى، وكيف أ، زل الله بهم معجَّلاً من عقابه في الحياة الدنيا قبل يوم الحساب ليقيم البرهان بتنفيذ معجل الجزاء على صدق مؤجله، وأحالهم على دليل المشاهدة في واقع الأرض، وما جرى فيها من أحداث عقاب مدمر على الذين كفروا وكذبوا بيوم الدين، فقال الله تعالى: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين} ، ثم قال لرسوله: {ولا تحزن عليهم، ولا تكُن في ضيق مما يمكرون} ، وذلك لأنهم لا يستحقون أن تحزن من أجلهم، إذ اختاروا لأنفسهم سبيل الجحود والتكذيب بالحق، ورضوا لأنفسهم مصير هذا التكذيب، وأما مكرهم بك وبدعوتك فلا تكن في ضيق منه لأن الله ناصرك.

ثم إنهم في جدلهم يتساءلون عن الزمن الذي يتحقق فيه الوعد، فيقولون للرسل: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟) .

وبما أن الله قد أخفى عن عباده أجل قيام الساعة كما بيَّن لهم ذلك في نصوص متعددة، فإن أحسن جواب لهم على سؤالهم تهديدهم بأنهم سيأتيهم بعض الجزاء الذي وعدوا به، فيلنتظروه معجلاً في ظروف هذه الحياة الدنيا، إذا أصروا على كفرهم وعنادهم وتكذيبهم، فقال تعالى لرسوله: {قل: عسى أن يكون

الصفحة 421