كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

رَدِف لكم بعض الذي تستعجلون} .
ففي هذا تلويح تهديدي بقرب أجل عقابهم المعجل في الدنيا، إنهم يستعجلون الآخرة، وهذا يعني أنهم يستعجلون عقابهم، فقل لهم: (عسى أن يكون رَدف لكم بعض الذين تستعجلون) ، ومعنى رَدِف لكم: تبعكم (¬1) ، واستعمال الفعل الماضي في (رَدِفَ) يدل على أن الشيء قد صار قريب الحصول جداً، حتى كأنه قد وقع فعلاً، فهو نظير قول المؤذن قد قامت الصلاة، مع أن المباشرة بها لم تحدث فعلاً، ولكن الاستعداد التام للمباشرة بها والاتجاه للتنفيذ يجعل الصلاة كأنها قد قامت فعلاً، فيصبح بهذا الاعتبار الفعل الماضي الموضوع أصلاً للدلالة على أمر قد وقع فعلاً، دالاً على أن الأمر قد صار قريب الوقوع.

وربما يكون تعبيراً عن أن أمر عقابهم قد قضي في السماء كما تطلق القذيفة، فهي في طريقها لتصل إلى هدفها.

ثم بيَّن سبحانه وتعالى أن تأخير عقابه فضل منه على عباده، ليترك لهم فرصة للتوبة، لكن أكثر الناس لا يشكرون، فقال تعالى: {وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون} .
ومما عرَض القرآن من جدلياتهم في موضوع الآخرة والبعث بعد الموت للحساب والجزاء، قول الله تعالى في سورة (ق/50 مصحف/34 نزول) :
{ق? وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُو?اْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَاذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ}

فالأمر الذي صدهم عن الإيمان واحتجوا به تعجبهم من أن يأتيهم رسول منهم، وتعجبهم من خبر الرجوع إلى الحياة بعد الموت للحساب والجزاء، مع أن مجرد التعجب من الأمر دون أساس عقلي أو علمي لا يصلح دليلاً للنفي ولا يصح الاحتجاج به لإنكار الحق.
ولما أنكروا الآخرة بحجة الاستغراب والاستبعاد وإطلاق عبارات التعجب تصوروا أنهم قد ملكوا حجة مقنعة، فأخذوا يتساءلون عن حال الرسول فيقولون:
¬_________
(¬1) يقال لغة: ردف له وردفه إذا اتّبعه فكان رديفاً له، أي: تابعاً مباشراً له في اللحوق، فهذا التعبير يلوح لهم بأن عقابهم المعجل سيأتيهم سريعاً لأنه سيردفهم.

الصفحة 422