كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

رغم كل البراهين التي اقترنت بالقرآن والدالة على أنه كلام الله حقاً، وقد بين الله موقفهم هذا بقوله في سورة (سبأ/34 مصحف/58 نزول) :
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَاذَا الْقُرْآنِ وَلاَ بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُو?اْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الَعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلاَلَ فِي? أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}

فهؤلاء الذين كفروا قد انتهوا بعد الجدال الطويل حول القرآن، ودمغهم بالحجج القواطع إلى الإصرار على عدم الإيمان، فقالوا: {لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه} ، فانتقلوا من الكفر بالقرآن إلى الكفر بالذي سبقه من الكتب الربانية.

وموقف الرسالة تجاه هذا الإصرار المتعنت هو موقف المعرف الذي يتحول من موقف المجابهة بالجدال إلى موقف الإعراض، مع بيان عاقبة الإنكار بغير حق، وبيان مصير المنكرين أتباعاً ومتبوعين، وإثارة مشاعر الخوف من هذا المصير الوخيم، وهذا هو الموقف الذي لا سبيل سواه.
ومن البديع في النص القرآني هذه النقلة التي نقلهم بها إلى مشهد من مشاهد يوم الدين، إذ يتجادل الكافرون يومئذٍ، فيلقي الأتباع مسؤولية التضليل على قادتهم في الحياة الدنيا، ويتبرأ القادة منهم، ويجعلونهم مسؤولين عن أنفسهم وعن جرائمهم، والصورة الجدلية تكون بينهم على الوجه التالي:
المستضعفون: لولا أنتم لكنا مؤمنين.
المستكبرون: أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين؟!

الصفحة 427