كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

هذا الإعداد النفسي من الله لرسوله، ولكل داعٍ إلى الحق من بعد الرسول، نجده في قول الله تعالى في سورة (الروم/30 مصحف/84 نزول) :
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَاذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُو?اْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ * كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ * فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ} .

فمن الملاحظ أن الله يوصي رسوله في هذا النص بالصبر على شتائم الكافرين، حين يتهمونه بأنه مبطل، وهو يأتيهم بالآيات البينات والحجج الظاهرات، ويوصيه أيضاً بالرزانة والرصانة ورجاحة النفس حتى لا يستخفه الذين لا يوقنون بمثيراتهم وجدلياتهم الباطلة، وشتائمهم المنكرة، فالرزانة والرصانة ورجاحة العقل والنفس من سمات كبار الدعاة إلى الحق، مهما استثيروا واستغضبوا، إن أوزانهم الراجحة لا تستخفها المثيرات من رياح الشتائم أو أعاصير السباب المنكر.

وظاهر أن هذه الوصية التي أوصى الله بها رسوله وصية يطالب بها كل داعٍ إلى الله، فالجدال متى بلغ حد الغضب تحول عن مقصده، وارتدى رداء التعصب والانتصار للنفس، وسلك مسالك الهوى، وأدخل فيه الشيطان وساوسه ودسائسه، وربما انحرف المحقون بسبب ذلك عن منهج الاستقامة.

وقد لجأ الكافرون فعلاً إلى خطة الشتائم، فأخذوا يتهمون الرسول صلوات الله عليه بأقوال شتى، منها المقالات التالية:
ساحر كذاب - إنه لمجنون - شاعر مجنون - قد افترى على الله كذباً - بل افتراه، بل هو شاعر -.

وقالوا عن القرآن: سحر - أساطير الأولين - شعر - مفترى - أضغاث أحلام - إلى غير ذلك من عبارات.

وهكذا نوَّع الكافرون عبارات الشتائم لما عجزوا عن متابعة الجدال المنطقي، ومقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل.

الصفحة 429