كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

وهذه الوقاحة مقرونة بالسخرية، إذ كان بدء كلامهم يصفه بأنه قد نزَّل عليه الذكر، فلما أتبعوه بقولهم له: إنك لمجنون دلَّ على أنهم مستهزئون بما قالوا أولاً.

إنهم لم تنقصهم الأدلة، ولكنهم متعنِّتون معاندون، ولو رأوا أقوى الآيات لتعللوا في رفضها بأوهى التعلات، وقد بين الله هذا من واقعهم بقوله في السورة نفسها سورة (الحجر/15 مصحف/54 نزول) :
{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ}

(د) ومنها ما قصه الله عنهم بقوله في سورة (الصافات/37 مصحف/56 نزول) :
{وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو? آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ}

وما قصه بقوله في سورة (الدخان/44 مصحف/64 نزول) :
{أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ}

وكذلك قال فرعون عن موسى، وقد حكى الله لنا مقالة فرعون في سورة (الذاريات/51 مصحف/67 نزول) :
{وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}

وما من رسول إلا قال عنه قومه مثل ذلك، قال الله تعالى في سورة (الذرايات/51 مصحف/67 نزول) :
{كَذَلِكَ مَآ أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}

وهذه هي التعلة التي يفر إليها المكذبون بالحق، لشتيمة داعيه، وصرف الجماهير من الناس عن اتباعه.

الصفحة 431