كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

* أسلوب المشاغبة:
ومن غريب ما لجأ الكافرون إليه في جدالهم أسلوب المشاغبة، رجاء أن يغلبوا الحق به.

لما انقطعت حجتهم حول القرآن، ورأوا أن له تأثيراً عجيباً على قلوب الناس، وأن تأثيره هذا قد أخذ يجلبهم إلى الإسلام، ويفتح بصائرهم على الحق، فتستنير بنور المعرفة الربانية، قال بعضهم لبعض: لا تسمعوا لهذا القرآن والغَوا فيه لعلكم تغلبون.

فنهى القادة أتباعهم عن الاستماع للقرآن ليصرفوهم عنه حتى لا يؤثر في قلوبهم ونفوسهم، وليقفوا قلوبهم عن مشاهدة نوره، وأمروهم باللغو فيه، مشاغبة وتشويشاً، لملء فراغ السمع، حتى لا يلتقط منه أتباعهم شيئاً، وحتى لا يلتقطوا هم أنفسهم منه شيئاً فيؤثر على قلوبهم، كما حصل لكثير من الذين أسلموا بقوة تأثير القرآن، وعللوا نهيهم وأمرهم هذين برجاء الغلبة، فقالوا: "لعلكم تغلبون".

وخطة المشاغبة هذه غوغائية أتقنتها تماماً أحزاب الهدم والتخريب التي ظهرت في القرن العشرين.

وخطة المشاغبة خطة تقدم الدليل ضد المشاغبين بأنهم قد غدوا خائبين مغلوبين، منهزمين من معركة البيان والبرهان، ومتحولين إلى معركة الشغب واللغط والضجيج والغوغائية.

وفي بيان مقالة الكافرين هذه قال الله تعالى في سورة (فصلت/41 مصحف/61 نزول) :
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَاذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}
ولما لم يكن من شأن الحق أن يقابل الجنوح بالجنوح، أو يعارض الفساد بالفساد، أو يتحول من المناظرة بالحق إلى اللغط والمشاغبة، باعتبار أن ذلك من خطط الجاهلين الذين لا يملكون حجة ولا يحيرون جواباً، أعرض القرآن عن مقالتهم هذه، ولجأ إلى بيان سوء المصير الذي سوف يلاقونه يوم الدين، باعتبار أنه

الصفحة 432