كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

جزء من أصل بيانات الرسالة، فقال الله تعالى عقب الآية السابقة:
{فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُون}

إنه لا سبيل بعد موقفهم العدائي الذي سدوا فيه كل مسلك من مسالك البحث والمناقشة والإقناع والاقتناع إلا سبيل التهديد والوعيد بسوء المصير، وعليهم بعد ذلك أن يتحملوا عاقبة كفرهم بالحق، وإنكارهم لما جاء به الرسل من لدن عزيز حكيم، لا يضره كفرهم شيئاً، وهو غني عن إيمانهم وعن طاعتهم، ولكن يهديهم بما أنزل في الدين إلى طريق نجاتهم وسعادتهم الخالدة.

* جدالهم المستند إلى واقع امتيازهم بمتاع الحياة الدنيا زينتها:
بمنطق الكبر الطبقي أورد الكافرون طائفة من جدلياتهم الباطلة، فمن ذلك ما قصه الله علينا بقوله في سورة (مريم/19 مصحف/44 نزول) :
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بِيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُو?اْ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً * وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً}
فالكافرون يحتجون على سلامة مذهبهم بواقعهم المتميز بالرفاهية، وكثرة ما بين أيديهم من متاع الحياة الدينا وزينتها، وبارتفاع المكانة الاجتماعية على الطلائع الأولى من المؤمنين، ويتصورون أن منطقهم السليم في الحياة هو الذي جلب لهم هذا الامتياز، لذلك فلا يمكن أن يكون المؤمنون الذين هم دونهم في الثراء والرفاهية والمكانة الاجتماعية أعقل منهم وأعرف بالحق، وقد اعتبروا هذا حجة كافية لتفضيل مذهبهم على ما ذهب إليه المؤمنون فقالوا للذين آمنوا: "أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً"، أي: بما لدينا من فهم للأمور استطعنا أن نكون خيراً مقاماً في الحياة، مالاً وثراءً وأثاثاً ورياشاً ورفاهية عيش، واستطعنا أن نكون أحسن ندياً، أي: أعظم جاهاً في المجالس، وأحسن ترتيباً لها، فكيف نتَّبع طريقتكم وأنتم دوننا مقاماً ومجلساً.

الصفحة 433