كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

ومع أن هذا دليل ساقط لا قيمة له إلا أن أصحاب الامتياز الطبقي، يريدون أن يجعلوه دليلاً، لقد نفخ الكبر نفوسهم، فتوهموا أن ما هم عليه هو الصواب، وأن كل ما سواه خطأ، وهكذا يفعل الكبر في النفوس.

ومقالتهم هذه نظير مقالتهم الأخرى التي ذكرها الله بقوله في سورة (الأحقاف/46 مصحف/66 نزول) :
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَاذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ}

فهم بدافع الكبر الطبقي يرون أنفسهم أحق بأن يسبقوا إلى كل خير، وإذا لم يسبقوا إلى الإيمان بل سبقهم إليه الذين هم دونهم في الطبقة الاجتماعية، فهو إذن ليس بخير.

وهذا غاية الغرور بالنفس، إذ يجعل صاحبه يتصور لنفسه العصمة عن الخطأ، لذلك فهو غير مستعد لأن يغير موقفه، أو يغير مذهبه، أو يتنازل عن كفره أو شركه أو سلوكه.
وإذْ لم يهتدِ هؤلاء الكافرون بهدى الله، ولم يؤمنوا بدينه، فلا بد أن يقولوا عن الدين: هذا إفك قديم، وظاهر أن هذا جدل كلامي لا أساس له حتى يكون حجة تطرح بين العقلاء، وهو لا يعدو أن يكون لوناً من ألوان السباب والشتائم التي لا تصدر إلا عن الجاهلين.

وقد كانت طريقة القرآن في الرد على احتجاجهم بالتفوق الطبقي في متاع الحياة الدنيا وزينتها وجاهها بتقديم براهين من الواقع، تثبت أن التفوق الطبقي لم يكلن ليحمي أصحابه الكافرين بالله من سخط الله ونقمته وشديد عقابه، وهذا ما رد الله به على مقالتهم الواردة في سورة (مريم/19 مصحف/44 نزول) :
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً}

أي: فلم يحمِ هؤلاء من نزول عذاب الله فيهم علو طبقتهم الاجتماعية التي

الصفحة 434