كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

يدل عليها حسن أثاثهم، وحسن مظهرهم وشارتهم وهيئتهم، ولم تغن عنهم مكانتهم الاجتماعية شيئاً عند الله، لقد أهلكهم الله بكفرهم ودمر عليهم تدميراً.

وهذا البرهان الواقعي من أقوى البراهين الدالة على فساد حجتهم التي احتجوا بها، إذ زعموا أن امتياز طبقتهم الاجتماعية يلازمه صحة رأيهم، إذ اختاروا لأنفسهم سبيل الكفر بالله على الإيمان به.
وما أكثر ما يفتتن الناس بزخرف هذا الدليل، فيتبعون آراء أصحاب المكانات الاجتماعية القائمة على الامتياز بمتاع الحياة الدنيا وزينتها وجاهها، معطلين أفكارهم وعقولهم عن البحث والتتبع للحقائق ببصر نافذ ومنطق سديد.

* جدالهم القائم على التعلل بالقضاء والقدر:
من جدليات الكافرين الفاسدة احتجاجهم بالقضاء والقدر لتبرير ما هو من كسبهم، ولرفض أوامر التكليف الرباني ونواهيه.
سبق معنا بيان تعللهم بالقضاء والقدر وفق المذهب الجبري الفاسد، الذي كذبهم الله به، إذ ادعوا فيه على الله ما ليس من مقاديره الجبرية، فقالوا: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا، أي: إنهم أشركوا بحكم كونهم مجبرين بالقضاء والقدر على الشرك. وقالوا: لو شاء الله ما حرمنا من شيء، أي: إنهم حرموا أشياء مما أباح الله في شريعته لعباده بحكم كونهم خاضعين لسلطان القضاء والقدر ليس لهم في أعمالهم كسب اختياري. وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم، أي: إنهم عبدوا آلهتهم من دون الله بمقتضى سلطان القضاء والقدر وليس لهم في ذلك كسب إرادي، أو على معنى أن هذه الأشياء قد أذن الله بها، فلو لم يأذن بها لما مكَّنَنَا منها، ولاستخدم قدرته في جبرنا على ما يحبّ، وتجاهلوا أنهم موضوعون موضع الامتحان في الحياة.
وقد كذبهم الله بكل ذلك وأبان أنهم يخرصون على الله، فما لهم بما زعموا من علم عقلي أو نقلي يعتمدون عليه.

فقال تعالى في سورة (الأنعام/6 مصحف/55 نزول) :
{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ

الصفحة 435