كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

جعلهم فقراء فهم لا يستحون المعونة والمساعدة، وقد ذكر الله مقالتهم الفاسدة هذه بقوله في سورة (يس/36 مصحف/41 نزول) :
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ الله قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُو?اْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}
وهنا نلاحظ أنهم لما تصوروا أنهم ملكوا بمقالتهم ناصية حجة مفحمة، قالوا للذين آمنوا: إن أنتم إلا في ضلال مبين، أي: إذ تدعوننا إلى الإنفاق من أموالنا للفقراء والمساكين ذوي الحاجات، وإذ تنفقون أنتم عليهم من أموالكم.

وحين ندرك فلسفة الحياة وحكمة الخالق يظهر لنا فساد هذه الحجة التي ساقوها، وذلك لأنه لا يلزم من الإفقار في الحياة الدنيا أن يكون الغرض منه الإهانة، كا لا يلزم من الإغناء أن يكون للتكريم، لاحتمال أن الغرض من كل منهما الابتلاء.

وقد رفض القرآن فهمهم هذا رفضاً كلياً وأبان أن الغرض الأساسي من الإغناء والإفقار هو امتحان الإنسان في أي من هذين الأمرين، فليس الإغناء للتكريم، وليس الإفقار للإهانة، وفي ذلك يقول الله تعالى في سورة (الفجر/89 مصحف/10 نزول) :
{فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبي? أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبي? أَهَانَنِ * كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}

فالأمران كلاهما للابتلاء، إذ يبتلي الله الغني بالغنى ويأمره بالإنفاق ليبلوه هل يشكر نعمة الله أو يكفرها، ويبتلي الفقير بالفقر ويأمره بالرضا والصبر والمشي في مناكب الأرض بحثاً عن الرزق، ليبلوه هل يرضى ويصبر أو يسخط ويضجر.
ولما أورد الكافرون حجتهم: "أنطعم من لو يشاء الله أطعمه"، قصدوا منها أن الله أراد فعلاً أن لا يطعم هذا الفقير، وهذا كذب على الله، بل أراد أن يمتحن

الصفحة 437