كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

الغني بإطعامه، فالله قد أطعمه بالأمر التكليفي، إذ أمر الأغنياء بسد حاجات الفقراء، وأطعم الآخرين بتيسير سبل الرزق لهم. وذلك زجرهم عن مقالتهم الكاذبة فقال تعالى في النص: "كلا"، ثم أبان تعالى أن علتهم الحقيقية هي داء الشح في نفوسهم، فقال لهم: "بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام"، أي: مع أن الله قد أمركم بذلك، فأنتم تعصون الأمر الإلهي وتتعللون بالقدر، تعللاً تكذبون به على الله، فتضيفون إلى معصية أمر التكليف الذي أمركم به جريمة الكذب عليه جلَّ وعلا.

(9)

عقوبات الكافرين المعجلة والمؤجلة

للكافرين عقوبات ربانية يعاقبهم الله بها جزاء كفرهم، قسم منها معجل يجري ضمن ظروف هذه الحياة الدنيا، وضمن سننها ومقاديرها، وقسم آخر مؤجل إلى مابعد ظروف هذه الحياة الدنيا.

(أ) العقوبات المعجلة:

أول ما يخسره الكافر بكفره معونة الله التي يمد بها أولياءه، ثم يصيبه مقت من الله يضيق به صدره، وتتكدر به نفسه، فلا يكون في داخل نفسه منشرحاً ولا مسروراً، لأنه يكون محروماً من الرضا بالمقادير، وهذا يجعله فريسة للحزن والهم، فهو دائماً حزين على ما فاته من خير، مهموم لما يطمع بالحصول عليه، وفي ذلك عذاب له يُقضُّ مضجعه وينغص عليه حياته، ويحرِمه من التمتع الصحيح بما يصيب من لذَّات، حتى إذا ضاقت به الحياة، وقلت عليه نسمات آمالها، وكثرت عليه خوانق أكدارها وآلامها، وصار صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء، أو كأنما يهوي منها فيتمزق فتخطفه الطير من كل جانب، عندئذٍ يحاول أن يفر من الحياة، بالخمر والقمار، أو بالمخدرات أو بالانتحار.
يضاف إلى ذلك أنواع الخيبة التي تُمنى بها أعمالهم وتدبيراتهم التي يواجهون بها أولياء الله الصادقين العاملين بما أمرهم الله، وصور الخذلان والهزيمة

الصفحة 438