كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

{الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُو?اْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}

ففي هذا وعد من الله بأن ينصر المؤمنين الصادقين الصابرين على عدوهم، ولو كان عدده ضعف عددهم، على أنهم لو وثقوا بالله حق الثقة، وصبروا وصدقوا لنصرهم على عدوهم ولو كان عدده ضعف عددهم عشر مرات، فالوعد الأول لم ينقطع، ولكن التكليف بالمواجهة هو الذي جاء فيه التخفيف، ولذلك جاءت الآية مصدرة بقول الله تعالى: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً} .

والوقائع والأحداث التاريخية قد أيدت هذه الحقيقة، فالله قد نصر ر سله بالحق على الذين كفروا وظلموا من أقوامهم، ونصر الذين آمنوا وصبروا وصدقوا واستقاموا في كل وقائعهم ضد الذين كفروا، ولم تتحول رياح النصر عن المؤمنين إلا بذنوب قد ارتكبوها، وقد حقق الله بنصره لرسله وللمؤمنين الصابرين الصادقين سننه التي وضعها، وحقق وعده الذي وعد به أولياءه، والذي أعلنه بقوله تعالى في سورة (غافر/40 مصحف/60 نزول) :
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ الْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُو?ءُ الدَّارِ}
وبنظرة تفصيلية نلاحظ أن الله تبارك وتعالى قد نصر نوحاً على قومه فأغرقهم وأنجاه والذين آمنوا معه، ونصر هوداً وصالحاً وإبراهيم ولوطاً على أقوامهم، ونصر موسى على فرعون وملئه وجنوده، ونصر داود وسليمان، ونصر عيسى فأنجاه من قومه، ونصر محمداً والمؤمنين معه وتوج لهم جهادهم بالفتح المبين، ونصر المجاهدين المسلمين من بعده، ففتح لهم أبواب ممالك الأرض، وما توقف عنهم النصر إلا حينما عصوا في الواجبات والشروط التي فرضها الله عليهم، والتي كانوا يستحقون بها إمداد الله لهم بمعونته ونصره.

ولنأخذ حياة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - لنرى كيف نصره الله في كل مواقفه على أعدائه، وكيف خذل الكافرين.

الصفحة 445