كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}

فعقاب قوم نوح وإنقاذ نوح بالمعجزة الربانية كان ذلك جزاء لنوح الذي كُفِر - أي: كفر به قومه وكذبوه - وهذا جزاء بالثواب، وكان أيضاً جزاء بالعقاب للكافرين المكذبين، إذ كانوا هم الطرف المعاقب المهلَك.

ومن الملاحظ بوضوح أن ما عرضه الله في كتابه من قصص الأولين، قد كان الغرض منه إيقاظ مشاعر الاعتبار والاتعاظ، ولم يكن الغرض منه مجرد عرض قصص من القصص التاريخية، مهما كانت المواقف الفنية المثيرة ظاهرة فيها، ولذلك تبرز في القصة القرآنية الأحداث المشتملة على مواطن العظة والاعتبار، ويأتي فيها لفت النظر إلى الاتعاظ والاعتبار، في آخر عرض القصة أو في أوله أو في أثنائه.

ففي النص السابق نلاحظ في آخره قول الله تعالى: {فهل من مدَّكر؟ فكيف كان عذابي ونذر؟} .

ونلاحظ في القرآن تنبيهاً عاماً على الاعتبار بجميع ما أجراه الله في الأمم السابقة، فمن ذلك قول الله تعالى يخاطب رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - في سورة (فاطر/35 مصحف/43 نزول) :
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} .
ففي قوله تعالى: {فكيف كان نكير؟} توجيه ظاهر للاتعاظ والاعتبار بكل ما جرى للأمم السابقة من عقاب لهم على كفرهم وتكذيبهم.

ومن ذلك أيضاً قوله تعالى في سورة (يوسف/12 مصحف/53 نزول) :
{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي? إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّو?اْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا

الصفحة 451