كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ * لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَاكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}

ففي هذا النص تصريح بأن الغرض من عرض قصص الأولين أن تكون عبرة لأولي الألباب، وهم أصحاب القلوب الواعية والأبصار المدركة.

ومن هذا نلاحظ أن القرآن يعتمد - في ضمن ما يعتمد - على التربية بالقصة، لما للقصة الواقعية من تأثير قوي في النفوس، وتنبيه قوي على الاعتبار والادِّكار، ومعلوم في الظواهر التاريخية أن تكرر النتائج للمقدمات دليل على ثبات السنةَّ الكونية، فهي تدل عند ذوي العقول على أن للمستقبل حكم ما جرى في الماضي، لذلك كان من الطبيعي الاستشهاد بأحداث الماضي دليلاً على ما يجري في المستقبل، وباعتبار أن ذلك من سنن الله الثابتة.
وذلك جعل الله أنبياء الأولين أدلة لأولي الألباب، يحاسبون عليها، ويلامون على الاستهانة بها، وعدم الاعتبار والاتعاظ بما اشتملت عليه من مواطن عظة واعتبار، وهذا ما نلاحظه في قول الله الموجه للذين كفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - في سورة (التغابن/64 مصحف/108 نزول) :
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَينَاتِ فَقَالُو?اْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}

ففي هذا النص نلاحظ توجيه اللوم والتوبيخ لهم إذ لم يتعظوا ولم يعتبروا بأنباء الذين كفروا من قبل.

وعلى هذا الأساس التوجيهي التربوي جاءت قصص القرآن.

الصفحة 452