كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

المؤمنون الذين أكرمهم الله بأن يستظلوا في ظل عرش الرحمن يومئذٍ، يوم لا ظل إلا ظله، وتكون درجة عذاب هذا الموقف مناسبة لحال الواقف وكفره وكثرة معاصيه شدة وضعفاً، ويستمر هذا الموقف زمناً يعلمه الله، حتى يتمنى الكافرون أن يقضى عليه بعذاب جهمنم، لينصرفوا إليها وينتهوا من موقف الحساب.

وفي هذا الموقف أو في مرحلة من مراحله يعرض الذين كفروا على النار دار عذابهم، ويقال لهم مع هذا العرض: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها؟! فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون، وفي بيان هذا يقول الله تعالى في سورة (الأحقاف/46 مصحف/66 نزول) :
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ}
ويقال لهم بعد عرضهم على النار: أليس هذا بالحق؟ فيقولون: بلى وربنا. ولكن هذا الاعتراف يومئذٍ لا ينفعهم، لأنهم يعترفون بما يشهدون، وهم عليه معروضون وإليه واردون، ولذلك يقال لهم: فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون، وهذا ما بينه الله بقوله في سورة (الأحقاف/46 مصحف/66 نزول) :
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَاذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ}

وحين يرون العذاب قريباً منهم تكون حالتهم حالة من علم مصيره المحتوم، فغلى فؤاده بالألم، وظهرت المساءة على وجهه، وفي بيان هذا يقول الله تعالى في سورة (الملك/67 مصحف/77 نزول) :
{فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَاذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ}

أي: هذا الذي كنتم به تكذِّبون، إذ كنتم بسببه أو في موضوعه تدعون الأباطيل والأكاذيب.

الصفحة 455