كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ * وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ * لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ}
6- وجاء في البيانات القرآنية أن عذاب الكافرين في نار جهنم عذاب دائم لا نهاية له، وأنهم لا يقضى عليهم فيموتوا، بل حياتهم فيها مستمرة، وعذابهم فيها لا ينقطع، كما أنه لا يخفف عنهم من عذابها، قال الله تعالى في سورة (فاطر/35 مصحف/43 نزول) :
{وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ * إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}

فهم يدعون ربهم وهم في نار جهنم أن يعيدهم الله إلى دار الابتلاء ليؤمنوا ويعملوا صالحاً، ولكن الله لا يستجيب إلى طلبهم هذا، ويقول لهم: "أولَم نعمركم؟ " أي: أولَم نجعل لكم في دار الابتلاء عمراً كافياً لاختباركم وامتحانكم، فأصررتم على كفركم وعنادكم، ويقول لهم أيضاً: "وجاءكم النذير"، أي: وقد جاءكم رسول فأنذركم عاقبة كفركم فكذبتم وعصيتم.

على أنهم لو ردوا إلى دار الابتلاء لعادوا لما نُهوا عنه، ألمح إلى هذه الحقيقة قول الله تعالى في النص: {إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور} ، فهو يعلم ما تنطوي عليه صدورهم من كبر وعناد، فلو أعيدوا إلى دار الابتلاء لعادوا إلى اختيار الكفر على الإيمان، لأن إعادتهم حينئذٍ سيرافقها محو ذكريات العذاب في نار جهنم، فترجع إليهم حينئذٍ نفسيتهم الأولى المستكبرة المعاندة، ويعودون سيرتهم الأولى، وليست المقادير ألعوبة في أيدي المتشهِّين المتلاعبين، وصرَّح بهذه الحقيقة أيضاً قول الله تعالى في سورة (الأنعام/6 مصحف/55 نزول) :

الصفحة 462