كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذبَ بِآيَاتِ رَبنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}

ففي هذا النص تصريح بأنهم لو ردوا إلى دار الابتلاء لعادوا إلى ما نهوا عنه من الكفر والتكذيب، إلا أن تمنيهم العودة إلى دار الابتلاء هنا يكون حينما يوقفون على النار، ويشاهدون دار عذابهم، بينما نجد في النص السابق أن طلبهم العودة إلى دار الابتلاء يكون بعد دخولهم النار، وتقلبهم في ألوان عذابها.

ويطلب الكافر مثل هذا الطلب أيضاً إذا جاءه الموت وعلم منزله من العذاب، عندئذٍ يسأل ربه أن يرجعه إلى الحياة ليؤمن ويعمل صالحاً، ولكن طلبه يرفض لانتهاء زمن امتحانه، وفي بيان ذلك يقول الله تعالى في سورة (المؤمنون/23 مصحف/74 نزول) :
{حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي? أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ * فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَائِكَ الَّذِينَ خَسِرُو?اْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ * رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ}
ففي هذا النص بيان طلبهم الرجعة إلى الحياة الدنيا عند موتهم، رجاء أن يعملوا صالحاً، فيرفض طلبهم.

وفيه أيضاً بيان أنهم يطلبون هذا الطلب حينما تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون، إذ يقولون: ربنا أخرجنا منها، فإن عدنا إلى ما كنا عليه من الكفر والتكذيب فإنا ظالمون، فيقول الله لهم: اخسؤوا فيها ولا تكلمون، أي: ابتعدوا مطرودين مُذَلِّين مهانين.

الصفحة 463