كتاب صراع مع الملاحدة حتى العظم

مع أن مئات الأدلة العقلية والاستنتاجية تثبت ضرورة وجود خالق عظيم لهذا الكون، بيده مقاليد السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير.

أليس هذا من المفارقات التي لا تستقيم مع البحث العملي والأمانة العلمية؟
إذا لم تصل أدلة الإثبات لديهم إلى مستوى اليقين، ألم ترجح لهم هذه الأدلة احتمال وجود الخالق على عدم وجوده؟ إنها مهما تكن من وجهة نظرهم فهي أقوى حتماً من الاحتمال الآخر الذي هو احتمال النفي، فكيف يأخذون باحتمال النفي دون دليل، ويرفضون احتمال الإثبات ومعه الأدلة الكثيرة، ثم يسعون جاهدين لمحاربة الإيمان بكل ما لديهم من قوة؟

لماذا يعادون من خلقهم كل هذا العداء؟
أهذا جزاء الإنعام والإكرام؟
ألم يتحرك فيهم حس أخلاقي للاعتراف بوجوده؟
ألم ترجف قلوبهم خوفاً من عقابه الذي أعلنه على ألسنة رسله؟
ألم يفترضوا أن يكون الأمر حقاً؟
فبماذا يعتذرون يوم الحساب والجزاء؟

هل يكون عذرهم كافياً ومقبولاً إذا قالوا لربهم يوم الحساب: إنك يا إلهنا وربنا وخالقنا لم ترينا نفسك حتى نؤمن بك؟

ألا تسقط حجتهم هذه حينما يقول الله لهم: ألم أمنحكم عقولاً تستنبطون بها وجودي من آياتي التي بثثتها في كوني وفي أنفسكم؟ ألم أرسل لكم رسلاً مؤيدين بالآيات من عندي فأبلغوكم عني؟ فلماذا كذبتموهم؟ إنني لم أضع في كوني أية حجة تقنع أحداً بعدم وجودي، فلماذا جحدتم وجودي، ولا حجة لكم في ذلك إلا اتباع الهوى، والاستكبار عن الإيمان بي، والرغبة بالتحرر من أوامري ونواهيّ وشريعتي لعبادي؟

عندئذ لا بد أن تسقط حجتهم وينقطعوا، وعندئذ يعلمون علم اليقين أنهم كانوا في الغرور يتقلبون، وفي جهالتهم وضلالتهم يعمهون، وأنهم كانوا يجحدون ربهم من غير أن يكون لهم دليل به يعتذرون.

الصفحة 91