كتاب سماحة الإسلام في الدعوة إلى الله

* ومنها: أن سبعين شاباً من قريش لما رأوا كبار القوم يميلون إلى التصالح مع صاحب الرسالة، وكانوا هم يريدون القتال، تسللوا خفية إلى معسكر المسلمين ليبدأوا معهم القتال ويُفوّتون على قومهم فرصة التصالح، إذا سيجبرونهم على قبول الأمر الواقع. فتنبه إليهم محمد بن مسلمة قائد الحرس الإسلامي فاعتقلهم جميعاً دون قتال، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرج عنهم جميعاً دون أن يمسسهم أحد بسوء، وأدّا للفتنة، وحقنّا للدماء.
* ومنها أنه - صلى الله عليه وسلم - قال قبل وقوع هذه الأحداث جميعاً: "والذي نفسي بيده، لا يسألوني (اليوم) خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها" ومن حرمات الله حفظ الدماء. هذه وقائع ناصعة البيان تنطق بلسان فصيح عن سماحة الإسلام ورحابة صدره، وأنه دين يتحمل سقطات الأعداء وحماقاتهم ويعفو أجمل ما يكون العفو، ويصفح أروع ما يكون الصفح، يرعى حرمات الله والناس، ويكره الفتن، ويبذل ما يستطيع البذل لإقرار السلام والأمان بين الناس، وإن كانوا قد ناصبوه هم العداء وضاقوا هم به ذرعاً.
فأين الإرهاب وسفم الدماء ومصادرة الحريات في الإسلام؟ وهذا تاريخه، وتلك سيرة رسوله ورجاله الأوَّلين.
أفما كان من حق المسلمين أن يخرجوا من المدينة مدججين بالسلاح لتنفذي رؤيا رسول الله وهي وحي صادق من الله.
ثم أفما كان من حقهم أن يأبوا على سهيل كتابة: "باسمك اللهم" ويصروا على كتابة: "بسم الله الرحمن الرحيم"؟.
وكذلك أما كان من حقهم أن يصروا على كتابة: "محمد رسول الله" بدل "محمد بن عبد الله" كما أراد سهيل بن عمرو مندوب قريش في إجراء عقد الصلح وإمضائه؟
ثم أما كان من حقهم أن يُعملوا السلاح في الشباب السبعين الذين اعتقلهم محمد بن مسلمة حين أرادوا مهاجمة معسكر المسلمين وهم آمنون؟

الصفحة 137