كتاب سماحة الإسلام في الدعوة إلى الله

وقد ذكر القرآن الكريم هذه المقولة الصادرة عن الفريقين قارناً بها الرد المفحم لهم جميعاً عليها فقال: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} .
فقد طالبهم القرآن أن يأتوا ببرهانهم على ما يقولون إن كانوا صادقين. والأمر في {هَاتُوا} للإفحام والتعجيز، لأنهم ليس لهم برهان قط على مدعياتهم.
وبعد تكذيب مزاعمهم عمد القرآن إلى بيان سُنَّة الله الخالدة في خلقه، وأساس العدل الإلهي الذي يعامل به العباد، فليس الأمر كما قالوا: عنصرية دينية وراثية لاحظ لها من الفقه والإذعان، وإنما أساس العدل عند الله هو الإيمان والطاعة وإخلاص الوجه لله:
{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} .
فليقل اليهود ما شاءوا، وليقل النصارى ما شاءوا. فأمر الله ليس بأماَّني أحد من خلقه: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} .
* * *
* أشنع جرائم أهل الكتاب، وكيف ووجهت؟
ذلك طرف يسير من مزاعم أهل الكتاب التي واجهتها الدعوة بالوسائل السلمية، بَيْدَ أن أشنع جرائم أهل الكتاب ادعاؤهم الولد والشريك لله - سبحانه - ومع فظاعة هذه الجريمة فإن منهج الدعوة الإسلامية في مواجهتها لم يخرج عن سمته الوقور، وما عُرِف به من التصدي لهم بالحُجَّة الهادئة، والبرهان الرزين، والإخلاص في النصح والإرشاد

الصفحة 62