كتاب سماحة الإسلام في الدعوة إلى الله

والتوجية، دون أن يدعو إلى سفك دماء، أو سوء معاملة، وإنما بصرَّهم بالحق وزّينه لهم، وأغراهم على قبوله. وقبَّح لهم الباطل وحذّرهم من سوء المصير فيه، وفتح لهم أبواب التوبة، والإنابة إلى الله على مصاريعها لعلهم يؤمنون.
ففي مواجهة النصارى المدَّعين بنوة عيسى لله - سبحانه - حذرهم القرآن من مغبة هذا الإفتراء، لكن دون أن ينسبه إلى النصارى صراحة، بل أخرج الحديث مُخْرج العموم، وفي ذلك تلَطُّف معهم في الخطاب وتأليف لقلوبهم. ومسلك حكيم للدعوة في ملاينة الخصوم، ورسم خطة سديدة للخروج من مضايق الشرك والضلال. وهذا ما نراه في قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} .
تأمل قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا ... } حيث لم يقل: لفد كفر النصارى - مع أنهم هم القائلون - أليس في ذلك ملاطفة معهم في الخطاب على فظاعة قولهم وشناعة كفرهم؟
ثم تمضي الآية في تكذيبهم ويأمر الله رسوله أن يقول على الملأ: إن الله ليس له ولد ولا شريك، وعيسى الذي دعوه "الله" - سبحانه - إن أراد الله الحق أن يهلكه ويهلك معه أمه، ومن في الأرض جميعاً فلن يملك أحد دفع ما أراده الله. فالله هو المالك المتفرد في مُلْكِه له ما في المُلْك كله. وإن كان قد خلق عيسى من غير أب فليس معنى ذلك أن عيسى إله. فالهه يخلق ما يشاء كيف يشاء، لأنه على كل شيء قدير.
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} .
ومعنى هذا: أن خلق إنسان من غير أب لو كان سبباً في جعله إلهَّ لكان آدم أولى من

الصفحة 63