كتاب سماحة الإسلام في الدعوة إلى الله

عيسى بهذا الوصف؛ لأنه مخلوق من غير أب ولا أم؟! وفي هذا إشارة ذكية لنسف مدعيات النصارى، وتوجيه حكيم لإراءتهم الحق في أجلى مجاليه.
* * *
* تحذير وأمل:
وفي الآيات الآتية تحذير لهم بعد تحذير، وأمل باسم يدعوهم القرآن للإقبال عليه، مع إشارات وضيئة تبين لهم سوء معتقدتهم، ترى ذلك كله في قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .
فهذا هو المسيح عليه السلام يدعو بني إسرائيل إلى عبادة الله وحده ويقرر بأن الله ربه وربهم، فكيف يدَّعى النصارى لعيسى ما لم يدعه لنفسه؟!
ومع التسجيل عليهم بهذه الشناعات، وتهديدهم المرة تلة المرة من الاستمرار على هذه العقائد الموغلة في البطلان والفساد، يفسح أمامهم الأمل ليتوبوا قبل فوات الأوان، وأنهم إن تابوا قبل الله توبتهم بمنه وكرمه، لأنه غفور رحيم.
ثم يضع بين أيديهم الإشارات المضيئة التي تمهد لهم الطريق للإقلاع عما هم فيه، والإذعان للحق قبل فوات الأوان:

الصفحة 64