كتاب سماحة الإسلام في الدعوة إلى الله

وثالثاً: قولوا لهم: نحن لهذا الإله الواحد - الله - مسلمون.
ثم انظر - مرة ثالثة - كيف قال: {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ولم يقل: بالحسنى. وهذا معناه: أن نتوخى معهم أحسن مناهج الجدل وأحبها إلى النفوس، فكون المنهج حَسَناً في نفسه لا يكفي. بل المطلوب هو المنهج الأحسن، وهذا معناه مرة أخرى أن الذي يمارس مهمة الجدل معهم لابد أن يكون عالماً متمكناً فاقها لأساليب الدعوة، مدركاً للتفاوت بينها، فلا يجهل عليهم ولا يبذؤ في القول معهم، وإنما يكون جداله في الإطار العام الموضوع للدعوة: بالحكمة والموعظة الحسنة. وذلك لأن المفصود من الدعوة في الإسلام واحدمن أمرين:
إما الإقناع والإستمالة إلى الحق المدعُو إليه ...
وإما إقامة الحُجّة لله على المدعو برفق وهدوء.
وتلك هي اللغة الوحيدة التي تعزو القلوب وتهزها من أعماقها وتجذب النفوس وتنتشلها من أوهامها، تقنع العقول وتطهرها من عنادها ومكابراتها.
وفي هذا الشأن يقول الله تعالى لرسوله الكريم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ..}
{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} .
جاءت هاتان الآيتان عقب حديث للقرآن عن جرائم اليهود القدامى التي توارثها عنهم يهود عصر النزول.
وفيهما يُثّبت الله رسوله على الحق الذي أنزله إليه، ويأمره أن يحذر اليهود إذا أرادوا

الصفحة 71