كتاب سماحة الإسلام في الدعوة إلى الله

لهم سلطة الإجبار. ومن النصوص القرآنية التي تؤكد هذا المبدأ قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} .
فهذا بيان صريح بأن في حالة التولي والإعراض فإن المتولين المعرضين يتحملون وزر توليهم أمام الله. والطاعة خير لهم. أما الرسول فليس عليه إحدا الهداية في قلوبهم، ولا فرض أصول الإيمان عليهم فرضاً. بل عليه - فحسب - البلاغ المبين. تبرأ ذمته منهم أمام الله.
وقوله تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} .
من المعلوم الذي لايكاد ينازع فيه عند علماء المعاني أن: "إنما" من الأساليب البلاغية يكون ما يقع بعدها مباشرة مقصوراَ على ما بعده، لا يتعداه إلى غيره من الصفات أو من الموصوفين. وتطبيق هذه القاعدة على الآية - هنا - جلى واضح. فالذي وقع بعد "إنما" مباشرة هو الجار والمجرور "عليك" والذي وقع بعده هو "البلاغ" والصمير، وهو "الكاف" في "عليك" مراد به الرسول - صلى الله عليه وسلم -. أي أن الواجب عليه في مجال الدعوة هو البلاغ وحده، ولا شيء غير البلاغ. وهذا يؤكد ما قدَّمناه مرات من أن الإجبار ليس من حق الدعاة، لأن الدعاة تابعون للرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا المبدأ. أي أن حرية الاعتقاد في الحياة الدنيا مكفولة شرعاً ووحياً. أما حساب الرافضين للحق فلله وحده لا يشركه في ذلك أحد. والالتزام بهذا المنهج واجب النفاذ.
* * *

الصفحة 96