كتاب سماحة الإسلام في الدعوة إلى الله

إنما أمن مذكر.... لستَ عليهم بمصيطر
ومن قواطع الأدلة قوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} .
بدأ هذا التوجيه الإلهي بلفت أنظار المدعويين إلى بعض دلائل القدرة الإلهية. وكيف أحكم الله خلق الإبل، ورفع السماء بلا عُمد، ونصب الجبال فأمكن نصبها، ومَهَّد سطح الأرض لتيسير الحياة عليه. وبعد هذه النماذج من الدعوة بالوسائل السلمية التي تستقطب العقول، وتأسر القلوب توجه إلى رسوله فأمره بالتذكير، بل حصر مهمته فيه: {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} وعلى غرار ما تقدم في: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} فإن مهمة الرسول هنا - كما هي هناك - محصورة في التذكير لا تتعداها إلى أي أمر آخر. ومع أن هذا المعنى مفهوم من دلالة التركيب، فإن القرآن أكَّده مرة أخرى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} أي لا سلطة لك عليهم بعد التذكير والإنذار والتبشير. وهذا المعنى جاء بطريق الإثبات في: {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} وبطريق النفي في: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} وتأدية هذا المعني بطريق الإثبات مرة، والنفي أخرى أقوى وأبلغ من تأديته عن طريق الإثبات وحده، أو النفي وحده.
وهذا المنهج البياني - الجمع بين الإثبات والنفي في تأدية المعنى الواحد - يستعمله القرآن في المعاني ذات الشأن العظيم، ومنها المعنى الذي نتحدث عنه الآن.
أما الاستثناء في قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} فليس معناه أن من تولى وكفر يكون للرسول عليه سيطرة، كلا. لأن هذا الاستثناء منقطع عما قبله وليس متصلاً به. وتمام معناه في قوله تعالى: {فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ} .
ثم تأتي الآيتان (25 - 26) فتقطعان كل احتمال، حيث قرر الله في الأولى منهما أن

الصفحة 97