كتاب شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني (اسم الجزء: 2)

قال: (مسألة: مثل {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [الحجرات: ١٣]، ليس خطابًا لمن بعدهم، وإنما ثبت الحكم بدليل آخر، من: إجماع أو نص أو قياس خلافًا للحنابلة، لنا القطع بأنه لا يقال للمعدومين يا أيها الناس، وأيضًا إذا امتنع فى الصبى والمجنون فالمعدوم أجدر. قالوا: لو لم يكن مخاطبًا لم يكن مرسلًا إليه، والثانية اتفاق، وأجيب بأنه لا يتعين الخطاب الشفاهى بل لبعض شفاهًا ولبعض بنصب الأدلة بأن حكمهم كحكم من شافههم، قالوا: الاحتجاج به دليل التعميم. قلنا: لأنهم علموا أن حكمه ثابت عليهم بدليل آخر جمعًا بين الأدلة).
أقول: ما وضع لخطاب المشافهة نحو: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [الحجرات: ١٣]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحجرات: ٦]، ليس خطابًا لمن بعدهم وإنما يثبت حكمه لهم بدليل آخر من إجماع أو قياس أو نص أما بمجرد الصيغة فلا، وقالت الحنابلة: هو عام لمن بعدهم، لنا أنا نعلم قطعًا أنه لا يقال للمعدومين {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [الحجرات: ١٣]، ونحوه وإنكاره مكابرة، ولنا أيضًا أنه امتنع خطاب الصبى والمجنون بنحوه، وإذا لم نوجهه نحوهم مع وجودهم لقصورهم عن الخطاب، فالمعدوم أجدر أن يمتنع لأن تناوله أبعد.
قالوا: أولًا: لو لم يكن الرسول مخاطبًا لمن بعدهم لم يكن مرسلًا إليه واللازم منتف، أما الملازمة فإذ لا معنى لإرساله إلا أن يقال له بلغه أحكامى ولا تبليغ إلا بهذه العمومات وهى لا تتناوله، وأما انتفاء اللازم فبالإجماع.
الجواب: لا نسلم أنه لا تبليغ إلا بهذه العمومات التى هى خطاب المشافهة إذ التبليغ لا تتعين فيه المشافهة نعم يجب التبليغ فى الجملة وأنه يحصل بأن يحصل للبعض شفاهًا وللبعض بنصب الدلائل والأمارات على أن حكمهم حكم الذين شافههم.
قالوا: ثانيًا: لم يزل العلماء يحتجون على أهل الأعصار ممن بعد الصحابة بمثل ذلك وهو إجماع على العموم لهم.
الجواب: لا يتعين أن يكون ذلك لتناوله لهم بل قد يكون لأنهم علموا أن حكمه ثابت عليهم بدليل آخر جمعًا بين الأدلة، أى هذا الدليل الدال على المشاركة فى الحكم، ودليلنا الدال على عدم الدخول فى الخطاب.

الصفحة 685