كتاب شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني (اسم الجزء: 3)

وقيل: العدول عن حكم الدليل إلى العادة لمصلحة الناس كدخول الحمام من غير تعيين زمان المكث ومقدار الماء المسكوب والأجرة، وذلك على خلاف الدليل وكذلك شرب الماء من السقاء من غير تعيين مقدار الماء وبدله وهذا أيضًا متردد وذلك أن مستند مثله إما العادة المعتبرة من جريانه فى زمانه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقد ثبت بالسنة أو جريانه فى عهد الصحابة مع عدم إنكارهم عليه فقد ثبت بالإجماع، وأما غيرها فإن كان نصًا أو قياسًا مما تثبت حجيته فقد ثبت به وإن كان شيئًا غيره مما لم يثبت حجيته فهو مردود قطعًا وإذا تقرر ذلك فإذا أظهر الخصم استحسانًا يصلح محلًا للنزاع قلنا له فى نفيه إنه لا دليل يدل عليه فوجب نفيه لما علمت أن عدم الدليل فى نفى الأحكام الشرعية مدرك شرعى.
قالوا: أولًا: قال تعالى: {وَاتَّبِعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم} [الزمر: ٥٥]، والأمر للوجوب، فدل على ترك بعض واتباع بعض بمجرد كونه أحسن وهو معنى الاستحسان.
الجواب: أن المراد بالأحسن الأظهر والأولى، فعند التعارض الراجح بدلالته فإذا تساويا فالراجح بحكمه.
قالوا: ثانيًا: قال عليه السلام: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند اللَّه حسن"، دل أن ما رآه الناس فى عاداتهم ونظر عقولهم مستحسنًا فهو حق فى الواقع إذ ما ليس بحق فليس بحسن عند اللَّه.
الجواب: المسلمون صيغة عموم فالمعنى ما رآه جميع المسلمين حسنًا فيتناول إجماع جميع أهل الحل والعقد لا ما رآه كل واحد حسنًا وإلا لزم حسن ما رآه آحاد العوام حسنًا، وما أجمع عليه فهو حسن عند اللَّه لأن الإجماع لا يكون إلا عن دليل.

قوله: (على خلاف دليله) هو ما يورد فى موضعه من الدليل على وجوب تعيين المنفعة والأجرة فى الإجارات وتعيين المبيع والثمن فى المبايعات.
قوله: (فإذا أظهر الخصم استحسانًا) اعلم أن الذى استقر عليه رأى المتأخرين هو أن الاستحسان عبارة عن دليل يقابل القياس الجلى الذى تسبق إليه الأفهام وهو حجة لأن ثبوته بالدلائل التى هى حجة إجماعًا لأنه إما بالأثر كالسلم والإجارة

الصفحة 576