كتاب شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني (اسم الجزء: 3)

(الكلام فى الاجتهاد)
قال: (الاجتهاد فى الاصطلاح استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعى والفقيه تقدَّم وقد علم المجتهد والمجتهد فيه).
أقول: قد فرغ من المبادئ والأدلة السمعية وغرضه الآن مباحث الاجتهاد، والاجتهاد فى اللغة: تحمل الجهد وهو المشقة فى أمر يقال اجتهد فى حمل حجر البزارة ولا يقال اجتهد فى حمل النارنجة وفى الاصطلاح: استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعى فقولنا استفراغ الوسع معناه بذل تمام الطاقة بحيث يحس من نفسه العجز عن المزيد عليه وهو كالجنس، وقولنا الفقيه احتراز عن استفراغ غير الفقيه وسعه، وقولنا لتحصيل ظن إذ لا اجتهاد فى القطعيات، وقولنا بحكم شرعى ليخرج ما فى طلب غيره من الحسيات والعقليات فإنه بمعزل عن مقصودنا والفقيه قد تقدَّم لأنك قد علمت الفقه فيكون الموصوف به هو الفقيه وقد علم بذلك ركنا الاجتهاد وهما المجتهد والمجتهد فيه فالمجتهد من اتصف بصفة الاجتهاد على التفسير المذكور والمجتهد فيه حكم ظنى شرعى عليه دليل.

قوله: (بذل تمام الطاقة) يشير إلى أن هذا التفسير ليس أعم من تفسير الآمدى فإنه قال الاجتهاد فى اللغة استفراغ الوسع فى تحقيق أمر من الأمور مستلزم للكلفة والمشقة ولهذا يقال اجتهد فى حمل حجر البزارة ولا يقال اجتهد فى حمل الخردلة وفى الاصطلاح استفراغ الوسع فى طلب الظن شئ من الأحكام الشرعية على وجه يحسن من النفس العجز عن المزيد عليه وبهذا القيد خرج اجتهاد المقصر فإنه لا يعد فى الاصطلاح اجتهادًا معتبرًا فزعم البعض أن من ترك هذا القيد جعل الاجتهاد أعم كما هو ظاهر كلام الغزالى وحجر البزارة حجر عظيم للعصارين به يستخرج دهن البزر.
قوله: (احتراز عن استفراغ غير الفقيه) الظاهر أنه لا وجه لهذا الاحتراز ولهذا لم يذكر هذا القيد الغزالى والآمدى وغيرهما فإنه لا يصير فقيهًا إلا بعد الاجتهاد اللهم إلا أن يراد بالفقه التهيؤ لمعرفة الأحكام على ما سبق ثم ظاهر كلام القوم أنه

الصفحة 579