كتاب شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني (اسم الجزء: 3)

قال: (مسألة اختلفوا فى تجزؤ الاجتهاد المثبت لو لم يتجزأ لعلم الجميع، وقد سئل مالك عن أربعين مسألة فقال فى ست وثلاثين منها: لا أدرى، وأجيب بتعارض الأدلة أو بالعجز عن المبالغة فى الحال، قالوا: إذا اطلع على أمارات مسألة فهو وغيره سواء، وأجيب بأنه قد يكون ما لم يعلمه متعلقًا لنا فى كل ما يقدر جهله يجوز تعلقه بالحكم المفروض وأجيب الفرض حصول الجميع فى ظنه عن مجتهد أو بعد تحرير الأئمة الأمارات).
أقول: قد اختلف فى تجزؤ الاجتهاد بجريانه فى بعض السائل دون بعض وتصويره أن المجتهد قد يحصل له فى بعض المسائل ما هو مناط الاجتهاد من الأدلة دون غيرها فإذا حصل له ذلك فهل له أن يجتهد فيها أو لا بل لا بد أن يكون مجتهدًا مطلقًا عنده ما يحتاج إليه فى جميع المسائل من الأدلة.
احتج المثبتون بوجهين: قالوا: أولًا: بأنه لو لم يتجزأ الاجتهاد لزم علم المجتهد بجميع المآخذ ويلزمه العلم بجميع الأحكام، واللازم منتفٍ لأن مالكًا مجتهد بالإجماع، وقد سئل عن أربعين مسألة فقال فى ست وثلاثين منها: لا أدرى.
الجواب: أن العلم بجميع المآخذ لا يوجب العلم بجميع الأحكام لجواز عدم العلم ببعض لتعارض الأدلة أو للعجز فى الحال عن المبالغة إما لمانع يشوش الفكر، أو لاستدعائه زمانًا.
قالوا: ثانيًا: إذا اطلع على أمارات بعض السائل فهو وغيره سواء فى تلك المسألة وكونه لا يعلم أمارات غيرها لا مدخل له فيها فإذًا يجوز له الاجتهاد فيها كما جاز لغيره.
الجواب: لا نسلم أنه وغيره سواء فإنه قد يكون ما لم يعلمه متعلقًا بالمسألة التى يجتهد فيها وهذا الاحتمال يقوى فيه ويضعف أو ينعدم فى المحيط بالكل فى ظنه واحتج النافى بأن كل ما يقدر جهله به يجوز تعلقه بالحكم المفروض فلا يحصل له ظن عدم المانع من مقتضى ما يعلمه من الدليل.
الجواب: أن المفروض حصول جميع ما هو أمارة فى تلك المسألة فى ظنه نفيًا أو إثباتًا، إما بأخذه من مجتهد، وإما بعد تقرير الأئمة الأمارات وضم كل إلى جنسه، وإذا كان كذلك فقيام ما ذكرتم من الاحتمال لبعده لا يقدح فى ظن الحكم فيجب عليه العمل به.

الصفحة 582