كتاب شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني (اسم الجزء: 3)
قال: (قالوا: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣، ٤] وأجيب بأن الظاهر رد قولهم افتراه ولو سلم فإذا تعبد بالاجتهاد بالوحى لم ينطق إلا عن وحى، قالوا: لو كان لجاز مخالفته لأنها من أحكام الاجتهاد وأجيب بالمنع كالإجماع عن اجتهاد، قالوا: لو كان لما تأخر فى جواب. قلنا: لجواز الوحى أو لاستفراغ الوسع قالوا: القادر على اليقين يحرم عليه الظن قلنا لا يعلم إلا بعد الوحى فكان كالحكم بالشهادة).
أقول: هذه حجج المنكرين لكونه -صلى اللَّه عليه وسلم- متعبدًا بالاجتهاد.
قالوا: أولًا: قال تعالى فى حقه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣، ٤]، وهو ظاهر فى العموم وإن كان ما نطق به فهو عن وحى وهو ينفى الاجتهاد.
الجواب: أن الظاهر رد ما كانوا يقولونه فى القرآن أنه افتراه فيختص بما بلغه وينتفى العموم ولئن سلمنا فلا نسلم أنه ينفى الاجتهاد لأنه إذا كان متعبدًا بالاجتهاد بالوحى لم يكن نطقًا عن الهوى بل كان قولًا عن الوحى.
قالوا: ثانيًا: لو جاز له الاجتهاد لجاز مخالفته واللازم باطل بالإجماع بيان الملازمة أن ما قاله حينئذٍ من أحكام الاجتهاد وجواز المخالفة من لوازم أحكام الاجتهاد إذ لا قطع بأنه حكم اللَّه تعالى لاحتمال الإصابة والخطأ.
الجواب: منع لزومه لأحكام الاجتهاد مطلقًا بل إذا لم يقترن بها القاطع كاجتهاد يكون عنه إجماع فإن اقتران الإجماع به يخرجه عن أن تجوز مخالفته فكذلك اجتهاد الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قد اقترن به قوله وهو قاطع.
قالوا: ثالثًا: لو كان متعبدًا بالاجتهاد لما تأخر فى جواب سؤال بل يجتهد ويجيب لوجوبه عليه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واللازم باطل لأنه تأخر فى جواب كثير من المسائل.
الجواب: لا نسلم الملازمة فإنه ربما تأخر لجواز الوحى الذى عدمه شرط فى الاجتهاد لأنه إنما يفيد فيما لا نص فيه فلا بد من تحقق عدم النص بعدم الوحى وأيضًا فربما تأخر للاجتهاد فإن استفراغ الوسع يستدعى زمانًا.
قالوا: رابعًا: لو كان قادرًا على اليقين فى الحكم بالوحى فلا يجوز له الاجتهاد لأنه لا يفيد إلا ظنًا والقادر على اليقين يحرم عليه الظن.
الجواب: لا نسلم أنه قادر على اليقين فإنه لا يعلم الحكم إلا بإنزال الوحى
الصفحة 586
686