كتاب شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني (اسم الجزء: 3)

قال: (مسألة: المختار وقوع الاجتهاد ممن عاصره ظنًا، وثالثها: الوقف، ورابعها الوقف فيمن حضره لنا قول أبى بكر رضى اللَّه عنه: لا ها اللَّه إذًا لا يعمد إلى أسد من أسد اللَّه يقاتل عن اللَّه ورسوله فيعطيك سلبه. فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صدق" وحكم سعد ابن معاذ فى بنى قريظة فحكم بقتلهم وسبى ذراريهم فقال عليه السلام: "لقد حكمت بحكم اللَّه من فوق سبعة أرقعة". قالوا: القدرة على العلم تمنع الاجتهاد قلنا ثبت الخيرة بالدليل، قالوا: كانوا يرجعون إليه قلنا صحيح فأين منعهم).
أقول: فى جوار الاجتهاد فى عصره -صلى اللَّه عليه وسلم- خلاف ومن جوزه فقد اختلف فى وقوعه على أربعة مذاهب:
أولها: وقع ظنًا لا يقينًا.
ثانيها: لم يقع.
ثالثها: الوقف.
رابعها: وقع ممن غاب عنه وفيمن بحضرته التوقف، لنا قول أبى بكر: لا ها اللَّه إذًا لا يعمد إلى أسد من أسد اللَّه يقاتل عن اللَّه ورسوله فيعطيك سلبه، قاله فى قتادة وقد قتل رجلًا من المشركين وهو يطلب سلبه، والظاهر أنه عن الرأى دون الوحى فقال رسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صدق" أى فى الحكم فصوبه والكلام فى هذه الصيغة وإذا تصحيف والصحيح لا ها اللَّه ذا وأنه ما تقديره فقد استوفى فى فن آخر ولنا أيضا ما صح فى الخبر أنه حكم سعد بن معاذ فى بنى قريظة فحكم بقتلهم وسبى ذراريهم، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لقد حكمت بحكم اللَّه من فوق سبع أرقعة" أى بحكم اللَّه والرقيع السماء.
قالوا: المفروض أنهم قادرون على العلم بالرجوع إلى الرسول والقدرة على العلم تمنع الاجتهاد المفروض الذى غايته الظن.
الجواب: لا نسلم أنها تمنعه إذ قد ثبت الخيرة بين العلم والاجتهاد بالدليل الذى قد مر، قال فى المنتهى: ولو سلم فالحاضر يظن أن لو كان وحى لبلغه والغائب لا يقدر.
قالوا: قد ثبت أن الصحابة كانوا يرجعون إليه فى الوقائع وهو دليل منع الاجتهاد.
الجواب: أن هذا لا دلالة له على منعهم من الاجتهاد لجواز أن يكون الرجوع فيما لم يظهر لهم وجه الاجتهاد أو لجواز الأمرين.

الصفحة 588