كتاب شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني (اسم الجزء: 3)

قال: (مسألة: الإجماع على أن المصيب فى العقليات واحد وأن النافى ملة الإسلام مخطئ آثم كافر اجتهد أو لم يجتهد، وقال الجاحظ لا إثم على المجتهد بخلاف المعاند وزاد العنبرى كل مجتهد فى العقليات مصيب. لنا إجماع المسلمين على أنهم من أهل النار ولو كانوا غير آثمين لما ساغ ذلك واستدل بالظواهر، وأجيب باحتمال التخصيص قالوا: تكليفهم بنقيض اجتهادهم ممتنع عقلًا وسمعًا لأنه مما لا يطاق. وأجيب بأنه كلفهم الإسلام وهو من المتأتى المعتاد فليس من المستحيل فى شئ).
أقول: قد اختلف أكل مجتهد مصيب أم لا؟ وحكم العقليات والشرعيات فى ذلك مختلف فجعلهما مسألتين وتكلم أولًا فى العقليات وذكر الإجماع على النفى بل المصيب من المتخالفين واحد ليس إلا والآخر مخطئ، وأن من كان نافيًا لملة الإسلام كلها أو بعضها فهو مخطئ آثم كافر سواء اجتهد أو لم يجتهد خلافًا للجاحظ فإنه قال: لا إثم على المجتهد مع أنه مخطئ ويجرى عليه فى الدنيا أحكام الكفار بخلاف المعاند فإنه آثم، وإليه ذهب العنبرى وزاد عليه أن كل مجتهد فى العقليات مصيب فإن أراد وقوع معتقده حتى يلزم من اعتقاد قدم العالم وحدوثه اجتماع القدم والحدوث فخروج عن المعقول وإن أراد عدم الإثم فمحتمل عقلًا ولنا فى نفيه إجماع المسلمين قبل ظهور المخالف على قتل الكفار وقتالهم وعلى أنهم من أهل النار يدعونهم بذلك إلى النجاة ولا يفرقون بين معاند ومجتهد بل يقطعون بأنهم لا يعاندون الحق بعد ظهوره لهم بل يعتقدون دينهم الباطل عن نظر واجتهاد واستدل بالظواهر نحو قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: ٢٧]، وقوله: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: ٧].
الجواب: أنه لا يفيد قطعًا لجواز التخصيص بغير المجتهد منهم، قالوا: تكليفهم بنقيض اجتهادهم تكليف بما لا يطاق فيمتنع، أما الأولى فلأن المقدور بالذات هو الاجتهاد والنظر لكونهما من قبيل الأفعال دون الاعتقاد فإنه من قبيل الصفات وما يؤدى إليه الاجتهاد حصوله بعد الاجتهاد ضرورى واعتقاد خلافه ممتنع.
وأما الثانية: فلما تقدم من دليل العقل والسمع على امتناع تكليف ما لا يطاق وعلى عدم وقوعه.

الصفحة 592