كتاب شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني (اسم الجزء: 3)

قال: (مسألة: المختار يجوز أن يقال للمجتهد احكم بما شئت فهو صواب وتردد الشافعى، ثم المختار لم يقع. لنا لو امتنع لكان لغيره والأصل عدمه، قالوا: يؤدى إلى انتفاء المصالح لجهل العبد، وأجيب بأن الكلام فى الجواز ولو سلم لزمت المصالح أو أن جهلها الوقوع قالوا: {إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: ٩٣]، وأجيب بأنه يجوز أن يكون بدليل ظنى، قالوا: ". . . لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها"، فقال العباس: إلا الإذخر، فقال: "إلا الإذخر" (*)، وأجيب بأن الإذْخَر ليس من الخلا فدليله الاستصحاب أو منه ولم يرده وصح استثناؤه بتقدير تكريره لفهم ذلك أو منه وأريد ونسخ بتقدير تكريره بوحى سريع، قالوا: "لولا أن أشق. . "، أحجنا هذا لعامنا أو للأبد؟ فقال: "للأبد، ولو قلت: نعم لوجب"، ولما قتل النضر بن الحارث ثم أنشدته ابنته:
ما كان ضرك لو مننت وربما ... منَّ الفتى وهو المغيظ المحنق
فقال عليه السلام: "لو سمعته ما قتلته" (**). وأجيب يجوز أن يكون خير فيه معينًا ويجوز أن يكون بوحى).
أقول: هذه تعرف بمسألة التفويض وهو أنه يفوض الحكم إلى المجتهد فيقال له احكم بما شئت فإنه صواب وفى جوازه خلاف، والمختار جوازه وتردد الشافعى فيه والمجوزون اختلفوا فى وقوعه، والمختار أنه لم يقع لنا فى الجواز ليس ممتنعًا لذاته قطعًا، فلو كان ممتنعًا لكان ممتنعًا لغيره واللازم منتف إذ الأصل عدم المانع.
قالوا: أولًا: التفويض إلى العبد مع جهله بما فى الأحكام من المصالح يؤدى إلى انتفاء المصالح لجواز أن يختار ما المصلحة فى خلافه فيكون باطلًا.
الجواب: الكلام فى الجواز لا فى الوقوع وغايته أنه يؤدى إلى جواز انتفاء المصالح لا إلى انتفائها وذلك مذهبنا الذى نقول به ولئن سلم فلا نسلم أن جهله بالمصالح مستلزم لانتفاء المصالح، وذلك لأنه إنما أمر بذلك حيث علم أنه يختار ما فيه المصلحة فيكون المصلحة لازمة لما يختاره وإن جهل المصلحة.
القائلون بالوقوع قالوا: أولًا: قال تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا
---------------
(*) أخرجه البخارى (١/ ٥٣) (ح ١١٢)، ومسلم (٢/ ٩٨٦) (ح ١٣٥٣).
(**) أورده ابن كثير فى تحفة الطالب (١/ ٤٦٥).

الصفحة 618