كتاب شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني (اسم الجزء: 3)
حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: ٩٣]، ولا يتصور تحريمه على نفسه إلا بتفويض التحريم إليه وإلا كان المحرم هو اللَّه.
الجواب: لا نسلم أنه لا يتصور إلا بالتفويض بل قد يحرم على نفسه بدليل ظنى.
قالوا: ثانيًا: قال -صلى اللَّه عليه وسلم- فى مكة عظمها اللَّه: "لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها"، فقال العباس: إلا الإذخر، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إلا الإذْخر" دل على تفويض الحكم إلى رأيه حتى يطلق ابتداء ويستثنى بالتماس العباس مع ظهور أنه لم ينزل الوحى فى تلك اللحظة الخفيفة إذ لم تظهر علاماته.
الجواب: بأحد أمورٍ ثلاثة: إما بأن الإذخر ليس من الخلا فيكون دليل العباس أو دليل جواز الاختلاء هو الاستصحاب، فيكون الاستثناء منقطعًا وهو سائغ وشائع ولو مجازًا إذ المعنى لكن الإذخر يختلى وإما بأن الإذْخر من الخلا، لكن لم يرد بالعموم تخصيصًا وصرفًا له عن ظاهره وفهمه السائل أنه لم يرد فصرح بالمراد تحقيقًا، لما فهمه بانضمام التقرير إليه فقيل ذلك تقريرًا لما فهم السائل فإن قيل إذا لم يرد فكيف يصح استثناؤه من القول الأول مع عدم دخوله وقد علمت بطلان ذلك فى تقرير الاستثناء قلنا ليس استثناء منه بل يقدر تقريره لقوله لا يختلى خلاها كأنه قال: لا يختلى خلاها إلا الإذخر وسوغ له ذلك اتحاد معناهما وأما بأنه من الخلا وأريد بالأول ونسخ فإن قيل كيف النسخ والاستثناء يأبى ثبوت الحكم له قلنا ليس الاستثناء من الأول بل بتقدير التكرير فتقديره لا يختلى خلاها إلا الإذخر فأطلق أولًا لثبوت الحكم مطلقًا ثم استثنى لورود نسخه بوحى سريع كلمح البصر وإثبات عدمه بعدم علامته لا يصح لأن مثله لا يظهر فيه علامة إنما ذلك فيما يطول زمانه.
قالوا: ثالثًا: قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك". وهو صريح فى أن الأمر وعدمه إليه وأنه سئل فى حجة الوداع: أحجنا هذا لعامنا هذا أو للأبد؟ فقال: "بل للأبد، ولو قلت نعم لوجب". وهو صريح فى أن قوله المجرد من غير وحى يوجب وأنه لما قتل النضر بن الحارث ثم أنشدته ابنته:
أمحمد ولأنت نجل نجيبة ... فى قومها والفحل فحل معرق
ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق
الصفحة 619
686